المقالات

في المطعن

 

بقلم الدكتور : ضيف الله مهدي

في المطعن امتلأ قلبي بالحب
ذهبت إليها ، وفِي خاطري شيء ، وفِي قلبي أشياء .. فأنا لم أدخلها منذ عشر سنوات تقريبا !
رأيت كل شيء مختلف .. كانت نفسي حزينة لما وجدته من تعامل في إدارة التعليم وتعقيد يوم الأربعاء الموافق ١٤٠٥/١١/٢٧هـ ويوم السبت الموافق ١٤٠٥/١٢/١هـ . وكنت أحدث نفسي بأنني سأجد أسوأ مما وجدته هناك !! كنت أرى الشمس كجمرة حمراء ملتهبة وكنت أرى السحب سوداء والسماء سوداء .. أرى كل ما حولي ليس جميلا !! وكنت أحمل ظرفا في يدي ويدي الأخرى على قلبي وهو أغلى ما عندي !.

يا ترى كيف سيستقبلني مدير المدرسة ؟ وكيف وكيف وكيف ؟.
نزلت من السيارة الأجرة التي أوصلتني لقرية المطعن ولمدرسة المطعن الإبتدائية والمتوسطة .. فأول ما وقعت عيني على أستاذي الذي درسني في المرحلة المتوسطة وهو الأستاذ عيسى بن جِبْرِيل عبادي ، وفِي نفس الوقت جاري في بيش ، فقام من على الكرسي مرحبا بي بصدق وحب وفرح .. ذلك الإستقبال سحب الكثير مما في نفسي أحمله! وأمسك بيدي وأدخلني إلى إدارة المدرسة ، وقال : هذا ضيف الله ، جاء إلينا معلما .. فرأيت آية من آيات وعظمة الله في صنع الجمال الإنساني رجولة وتعاملا وقبْيَلَةً وأخلاقا وأدبا فأطلق إبتسامة لم أر في حياتي إبتسامة تشبهها وقام من على كرسيه مرحبا ومهليا ومسهلا ، فأنقلبت في عيني ورأسي ونفسي وروحي كل الألوان القاتمة وتحولت إلى ألوان الطيف الزاهية فشممت كل الروائح العطرية والورود والمسك والعنبر ورأيت كأن السماء تمطر والبرد يتساقط وسمعت العصافير تزقزق والكروان يغني والعندليب يطرب والزرياب يشدو ، وسمعت ألحان الفرح ورقصة النصر فابتهجت نفسي وتغير حالي من بؤس وكدر وإحباط إلى سعادة وسرور وفرح .. قال : كم لنا ونحن نتظرك !!

تلك الدقائق التي لم تتجاوز الثلاث دقائق طبعت في قلبي حب رجل فخم تربوي خبرة محنك وقيادي شيخ وقور إنه الشيخ الأستاذ موسى بن حسين الأعجم ، وبالقرب منه شيخ آخر لا يقل عنه وعن صفاته وأخلاقه وهو الشيخ الأستاذ أحمد بن محمد الأعجم .. يا هو يوم سمعت فيه من التراحيب ورأيت فيه من الإبتسامات من هذين الشيخين ما جعل حبهما ينغرس وينطبع في قلبي .. وسمعت التراحيب من بقية المعلمين والفراشين ، ووقف بجنبي رجل يتفوه شهدا ولسانه يقطر عسلا قال : حيا الله ولد شيعي إنه الوالد يحيى جواحي رحمهم الله جميعا .. لقيت أهلا ونزلت سهلا فانطربت نفسي وغرس حب قرية المطعن في قلبي منذ ما يقارب ٣٧ سنة . لا أذكر الحب إلا ذكرت المطعن ولا أذكر الوفاء إلا ذكرت المطعن ولا أذكر الشهامة إلا ذكرت المطعن !!
أستلم مني الشيخ موسى خطاب التوجيه بتعييني معلما ( مرشدا طلابيا ) بمدرسة المطعن الإبتدائية والمتوسطة ثلاثة أيام وبمدرسة مسلية الإبتدائية والمتوسطة يومان .. رد بخطاب المباشرة وقال : بسرعة أرجع سلم الإدارة خطاب المباشرة كي يحسب لك من اليوم ! وكان بنهاية دوام هذا اليوم ١٤٠٥/١٢/١هـ تبدأ إجازة عيد الأضحى المبارك.

وبعد إجازة عيد الأضحى وبالتحديد بدأ العام الدراسي ١٤٠٦/١٤٠٥هـ . وبدأ العام يوم الأحد الموافق ١٤٠٥/١٢/١٦هـ. وأكملت الثلاثاء والأربعاء بمسلية ، وبعد حوالي أسبوعين من بداية الدراسة أنفصلت المرحلة المتوسطة وكانت في مبنى غرب قرية المطعن ، وبقية الإبتدائية في مبناها والذي يقع بالقرب للجنوب من مبنى مدرسة سعد بن معاذ حاليا. عز علي فراق ذلك الشيخ الجليل وكوكبة المعلمين الذين معه ، رغم أني على ملاك المرحلة المتوسطة .

فكنت يومي السبت والأحد في المدرسة المتوسطة ويوم الإثنين في المدرسة الإبتدائية والثلاثاء والأربعاء في مدرسة مسلية الإبتدائية والمتوسطة هذا عام ١٤٠٦ هـ ثم عام ١٤٠٧ وعام ١٤٠٨ هـ بقيت في مدرستي المطعن . امتلأ قلبي بحب الشيخ موسى بن حسين الأعجم فطغى الحب في قلبي حتى شمل كل المدارس والقريتين .. كان لي في القريتين أهل وأقارب إضافة إلى الزملاء المعلمين .. عشت ثلاث سنوات مرشدا طلابيا بمدرسة المطعن الإبتدائية ومدرسة المطعن المتوسطة ، هي من أجمل سنوات عمري ، اليوم الوحيد الذي كنت في مدرسة المطعن الإبتدائية عند الشيخ موسى لا يجعلني أعطي وأكمل كل أعمالي فصرت أداوم الليل معهم فقد كانت هناك مدرسة ليلية .

وفِي المدرسة المتوسطة نخبة من المعلمين الوطنيين والمتعاقدين العرب ، وعلى رأس أولئك الشيخ السيد الأستاذ خلاف بن إدريس النعمي شيخ من النور أدب وأخلاق وعلم وابتسامة وكذلك في المدرسة الزميل الأنيق المنضبط الأستاذ بدر الدين جندلي والأستاذ محمد غمضان والأستاذ عيسى الأعجم والشيخ علي وفيصل خواجي وغيرهم .. ثم بنهاية دوام عام ١٤٠٨هـ ودعت المدرسة والمطعن وانتقلت إلى ثانوية بيش .. لم أهجر المطعن ولا المدرستين فقد كان لي بها أحباب وأصدقاء وأهل وكان طلاب مدرستي المطعن من خيرة الطلاب وكذلك طلاب مدرسة مسلية . لي ذكريات جميلة بالمدرستين وعلاقة أجمل مع معلمي المدرستين وأهل القريتين ! .

مع بداية الفصل الدراسي الثاني في العام الماضي ١٤٤٠هـ أنتقل مكتب التعليم إلى قرية المطعن ومع بداية هذا العام ١٤٤٢هـ .. أقول في نفسي : هنا بدأت رحلتي العملية ، وربما أختم حياتي العملية ، فسلام من القلب محمل بكل الحب ومعانيه أهدافه وأحلامه وأمانيه ، شعره وكلماته وأناشيده وألحانه وموسيقاه وأغانيه للمطعن قرية وأهلا وطلابا ولمسلية ذلك موصول .

 

مقالات ذات صلة

إغلاق