المقالات

آه ياخُضَيْر

بقلم الكاتب : محمد الرياني

أغمضَ عينيه للأبد، في الصباح ذهبتُ لأسأل عن موعد مغادرةِ الجسد الذي فارقته الروح، وجدتُ القريةَ الخضراء نائمة في يومٍ حزين، لم أشأ أن أوقظ أحدًا في حضرة الحزن والفراق الأليم، اتجهتُ نحو الأسوار العتيقة حيث للحرف والكلمات ذكرى، نبتتْ الأشجار حول حجرات الدروس ، لم أستطع أن أرى أبواب الفصول التي كنا ندخل منها لنرى الوجوه البريئة لنلقي عليها تحايا الصباح، أو الجدران الشرقية التي كنا نكتب على سبوراتها البسملة في المنتصف والتاريخ عن اليمين، أو العارض الذي يحمل المسّاحات لنمحو ذكريات الحصص، أغلقت الأشجار كل شيء حتى الطرقات بين الفصول، كانت لنا مدرسة عتيقة هنا تدثرتْ بالأوراق الخضراء والأشواك أكفانًا غشتْ أجسادها كي لاتعود إليها الحياة، تذكرتُ أيام الإذاعة في الصباح وكيف تتسلل أصوات الصغار بالقرآن وأحاديث الصباح والكلمات الرصينة لتخترق الجدران المجاورة والأحياء التي لم ترتفع رؤوسها عن الأرض بعد، عجزتُ عن اختراق الأبواب فكل شيء موصد حتى باب المكتبة التي كانت منهل العطشى لماء الكتابة، وقفتُ عند اللوحة التي تحمل اسم عمار بن ياسر بخضير عنوانًا للمدرسة، تذكرتُ الخطاط العربي الذي خطها ورحل عن الدنيا قبل أن يكملها، قرأتها أكثر عن مرة، لاتزال هي الوحيدة التي فيها بقاياحياة من الماضي الجميل، غادرتُ المكان الذي كان فيه الأستاذ ( ناصر مكين) طالبًا صغيرًا ليكبر ويكبر ليصير معلمًا ثم يتلقفه الموت في منتصف العمر في أطهر الأيام، آه ياخضير كنتِ رائعةً خضراء وكبرتِ وأنت أكثر روعةً وخضرة، غادر نفرٌ من الذين شهدوا اخضرارك ولاتزالين تحملين الجمال على الرغم من الألم والحزن ، اليوم تودعين غصنًا من أغصانك الخضراء الوارفة، ترك لك اخضرارًا استله من وحي ترابك وغادرك ليعيش الأحياء على الذكريات.

مقالات ذات صلة

إغلاق