المقالات
الواحة الخضراء ذكريات الزمن الجميل
ثلاثون عامًا مضت على استراحة الواحة الخضراء، ثلاثون عامًا ونحن نسقي أشجار وزهور هذه الواحة بماء الحب و رحيق الصداقة و عطر الاحترام ونسمات الرجولة، ما أعظمك ربي وما أعظم جمال قدرك، فقد لعب القدر دوره في اختيار هذه الواحة الغناء والاستراحة الفيحاء، جاء اسمها الواحة الخضراء وكما قيل أن لكل شيء نصيب من اسمه، كان لاسم هذه الواحة المعنى الحقيقي، فطوال هذه الأعوام وهي تزدهر وتورق في قلوبنا ومشاعرنا، وكلما فترت وضعفت مشاعرنا وذبلت وأصفرت أوراقها، جددنا العهد بها مرة ثانية فتحيا وتزدهر من جديد. فما حكاية الواحة الخضراء؟ لم يكن لأحدنا اختيار في الآخر، فقد جمعتنا في البداية صداقة عمل، وكما قال النبي صل الله عليه وسلم “الأرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف” فاحب بعضنا البعض، ونمى الحب وتزايدت الروابط وتآلفت القلوب، فكان لا بدَّ من اللقاء خارج أوقات الدوام، فقدحت الأدمغة زناد عقولها، وبعد جهود وترتيبات حثيثة، ولد لقاء الصداقة الأول، في مخيمات منطقة الثمامة، التي حملت أجمل الذكريات، وسحر البديات فدائمًا للبديات سحر وعطر خاص حتى تمنى البعض أن تكون الحياة كلها بدايات، وقد شمل سحر البدايات جمال التنظيم والترتيب واستمر اللقاء ثابت كالطود لا يتغير، يذهب أناس ويأتي آخرون من الزملاء، أما هو فيأبى إلا أن يجمع الشمل يقرب الأحباب، واستمرار الحال من المحال، ولأن التغيير من سنن الحياة أزيلت المخيمات من منطقة الثمامة؛ لينطلق مشوار جديد من اللقاءات في أماكن مختلفة، قوامها رغبة الجميع وحرصهم على الاستمرار مهما كانت التحديات، فتنوعت الأماكن واختلفت المناطق، ولكن بقيت القلوب مصممة على الحب والود، على الأرصفة مرة، وفي المخيمات والاستراحات مرات، حتى وصلنا إلى الواحة الخضراء. تجاوزنا طوال هذه الفترة مهددات كبيرة لصداقتنا فاختلفت أماكن العمل للبعض وبدأت مراحل التقاعد لفترات متفرقة للأصدقاء ولكن لصدق العلاقة وصفاء نفوس أصحابها كانت الديمومة، واختلفت الطباع، وتضادت الصفات لكل واحد، ولكن صدق التوجه وعظيم الحب جعل الكل يقف احترامًا للكل ويقدم مصلحة الجميع فوق مصلحته الشخصية. فرحنا وضحكنا ملء الأفواه لفرح بعضنا وسعادته، وتالمنا أشد الألم وأصابنا عظيم الحزن لألم وحزن البعض، ولا غضاضة في ذلك فهكذا الدنيا يوم ويوم، جمعنا القرب وجمعنا البعد والسفر داخل المملكة وخارجها ولعل هذا من أسباب قوة الرابطة وتماسكها. لا ندعي المثالية والكمال، ولكن أن يجتمع أكثر من 15 شخص مختلفي الطباع والاهتمامات والميول، لا بدَّ أن تمر بهم أحداث وتحديات ومشاكل بين بعضهم البعض، ولقوة العلاقة ومتانة الرابطة سرعان ما تعالج وتتلاشى إعلانًا لقيمة الحب و ثقافة الاحترام وعظيم التقدير ورغبة في البقاء وحرصًا من بعض الأعضاء دائمًا على إصلاح ذات البين. ومن نافلة القول أن اقول أنه كانت بيننا اهتمامات مشتركة فنحن أبناء سياق ثقافي واحد وفكر إداري متميز آمنا به وطبقناه فكان لا بدَّ أن يكون هناك من وجود شخص مسؤول، أو قائد للمجموعة يديرها بكل احترام وتقدير للمجموعة وأفرادها والعلاقة وقدسيتها، وتنفيذًا لمبدأ الشورى وثمرته، كان لي عظيم الشرف وجمال التكليف، ولله الحمد باختياري وتشريفي من قبلهم بقيادة هذه المجموعة طوال هذا العمر. ولقوة المجموعة واستمرارنا طوال كل هذه الأعوام كنا نسعد دائما بزيارات متكررة من الزملاء والأصدقاء الأعزاء من خارج المجموعة، مما يضيف على سرورنا سرورًا فوق سرور. وأخيرًا أرفع كلتا يدي إلى الله تعالى مبتهلًا إليه راجيًا منه أن يديم علينا المحبة والصداقة، وأن يجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا وتفرقنا من بعده تفرقنًا معصومًا، وأن يمدنا بالصحة والعافية على طاعته. محبكم / عبد العزيز بن عبد الله الجريد أبوسلطان
|