المقالات

الطاولة

بقلم الكاتب : محمد الرياني

يبقى منتظرا حتى يمضي نصف الليل ، يحرق السيجارة تلو الأخرى، يحتسي المزيد من الشاي ، الطاولة المنتصبة إلى جوار سريره يتوزع على سطحها ذرات الرماد التي ينثرها بإصبعه من رؤوس السجائر، قطرات الشاي تسيل بكل اتجاه على الطاولة الصغيرة جراء الصب المتتالي من فوهة الإبريق، كل ذلك وهو يفكر في أوهام يريد أن يراها في الأحلام، شعرها المتدلي، أو ربما تخيلها على الشط وشعرها يجري خلفها كالأمواج، لون عينيها كالليل الذي فضل أن يكون ليلا حقيقيا بلا أنوار، ابتسامتها البراقة مثل تلك التي يشاهدها في الإعلانات، نام تلك الليلة بسلام وحوله آخر عقب لسيجارته التي غمسها في بقايا الشاي، قام مع أول خيط للإشراق يستعيد أحلامه، لم يجد في ذاكرته غير أضغاث، صوت سعال لرجال لايعرفهم ، وبعض إعلانات منها صورة رجل عملاق يتنفس بطريقة خيالية يمتطي جوادا وهو يقفز على أوهام، في الليلة الثانية غير مضجعه، نقل طاولته من الشمال إلى الجهة الجنوبية، ووضع رأسه في الجهة الأخرى من السرير، بدأ يدخن بشراهة، ويشرب الشاي بجنون، نام وعلى شفتيه طعم السكر، جاءت إليه وهو نائم، نظفت مكانه، نظفت الطاولة لتزيل بقايا السجائر والشاي، ربتت على كتفه، فتح عينيه فإذا هي إلى جواره، أراد أن يتعوذ فألجمته بيدها، شم رائحة زكية لم يشمها من قبل، نهض نحو أقرب مغسلة، أزال كل الروائح من وجهه وفمه، طلب منها أن ترشه من عطرها، فرحت واتجهت نحو مكان العطور، اصطدمت بالطاولة الخشبية، موجة من السعال تحركت من حلقه، أشار إليها بيده أن تقذف بالطاولة في أي مكان حتى لايضعها عنده، لم تأخذ بكلامه، أحضرت مع زجاجة العطر غشاء مخمليا أنيقا غطت به الطاولة، وضعت فوقه قارورة الرائحة التي شمها في يدها، تألق الليل ، ناما على السرير، رأى في المنام أن يده ويدها تتضوعان عطرا.

مقالات ذات صلة

إغلاق