المقالات

وِلادة

 

بقلم الكاتب : محمد الرياني

خرجَ إلى النور، كان قبل ذلك يعيش في عالمٍ مختلفٍ خاصٍ به، لم يكن يجاوره أحد، أو يشاركه غيره جزءًا من سكنه أو رزقه ،  خرج إلى الضياء والشمسُ تنير  الكون، الأرضُ تكاد تختفي خلف المساحات الخضراء، الجراد والطيور تنهش كل شيء ولاينقص منه شيء، الدوابُّ تسطو على كل نابت ولايلبث أن يعود بعد ذلك، خرج الصغير يمدُّ رجليه بخفة بينما فمه يبكي من العالَم الذي نزل إليه، لم يستوعب هؤلاء الذين يلتفون حوله لإعلان الفرح لضيفٍ سيضيف فردًا قدِم من عالَمٍ مظلم، أرادوا أن تستعيد أمه قوتها بعد فترة من الضعف والحمل الثقيل، طاردوا دجاجة أخرجتْ بيضةً للتو، صاحتْ تستغيث من هذه المطاردة وكأنها تعلم أن حدَّ السكين ينتظرها، لم تفلت من المطاردة، بعد وقتٍ قصير انفصل رأس الدجاجة المسكينة وهي ترفص لتذهب إلى قدر بها ماء ساخن ثم تحولت مرقةً كي تعوِّض النفاس عن آلام الوضع، القادمُ الجديدُ لم يكن يعلم بعدُ أن أباه يحرث الأرض على ثورين أحمرين ليزرع الأرض حتى إذا ما كبر المولود وجد حبوبًا بيضاء أو حمراء يقتات منها، عاد الأب ظهرًا، وجد بعض نساء الحي يطفن حول البيت، تلقى التهاني على المولود الجديد، دخل على رفيق العمر فوجدها تتألم وقد وُضع تحتها قطعة من مشمع تحتها وملابس أخرى تغطيها، رائحة البخور تنتشر في البيت الصغير، دخل الثوران إلى حيث يرتبطان في وتدين عتيقين وقد سبقهما حزمتان من علف أخضر، لم يرفعا صوتيهما بالخوار ولاحجة لهما بالاحتجاج والزادُ أمامها، وضعوا أمام الأب الدجاجة بمرقها وبهاراتها وأقراصًا من الدقيق، جلس يأكل معها وهي تتأوه والصغير يبكي بين حين وآخر ، ارتفع صوتُ خروف من زاوية أخرى، قال في نفسه وهو يمضغ لقمةً بنكهة الدجاج، غدًا ستكون مثل هذا اللحم ، ذبحوا لأم الصغير خروفًا، قسَّموه أنصادًا في الحي، بعد أيام هدأ الصغير وكأنه رضي بالعالم الجديد، لم يعد يبكي كثيرًا، جاءوا له بملابس بيضاء جديدة، قصُّوا شيئًا من شعر رأسه، أخرجوه إلى الفيء تحت ظل البيت، تركوه ينظر إلى أعلى لترى عيناه العالم الجديد قبل أن يتحرك على قدميه.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق