المقالات

قُبيل الغروب

 

بقلم الكاتب : محمد الرياني

قبلَ أن تودعنا الشمس بلونها البرتقالي أي قُبيل الغروب، كانت الأسرَّة الخشبية التي نسميها (القُعد) قد انتظمتْ كل اثنتين متقابلتان، وعليها شراشف زرق والتربة قد بردّها الماء، كنا نرش الأرض بليٍّ أخضر مخطط بلون أسود، لا ينسى صغيرُنا أن يرش رأسه وجسده الصغير بالماء المتدفق من الحنفية التي اعتلت صبة خرسانية بدائية، السرير الذي يقابل الجدار تصطف عليه صحون معدنية ونحاسية في غاية الجمال، بعضها امتلأ بالنشا والآخر بالتطلي الأصفر، الهواء يكاد أن يطرح الصحون أرضًا، يعجبني أن أتأمل الشمس وهي تودعنا تارة والصحون التي ستحضر على مائدة الإفطار تارة أخرى، وأنا أسبح في المشهد يفزعني أحد أبناء الحارة يأتي من الخلف دونما حركة، يربتُ على كتفي، أين عمتي….؟ أفزعُ حتى أكاد أن أسقط الصحون من بين يديه، يحدثني بتلعثم هذه لعمتي، لم يقل لكم هذه، أتناول منه الصحون، أناديها وهي تقف عند التنور تريد أن تخبز على السريع فطائر من الدقيق، تجيبني وهي تقلّب العجين بين يديها : دعه ينتظر، لايروح، سأضع له في أواني أمه خبزًا وإدامًا وصحنًا من النشا، يجلس إلى جواري، أسحبه في الكلام، ماهو إفطاركم الليلة؟ قال لي وهو يضحك ببراءة الصغار: تمر وحلبة وعيش أحمر وإدام وشراب توت، قلت له كل هذا، ضحك وأضاف والذي من عندكم، اختفت الشمس، بيتهم قريب، نادتني وهي عند التنور تعال وأعط ابن…. الزاد، أسرعتُ نحوها وأنا أترقب الأذان، في نفسي كنت أقول: الآن يصعد عمي محمدٌ السّورَ الترابي المرتفع ليصدح بالأذان، سلمته القدور بما فيها وقلت له : بادر ترى (جدُّك) محمد سيؤذن، ذهبتُ إلى الجدار وتناولتُ الصحون ووضعتها على الأرض وتبعها بقية المائدة، أطلق عمي علي مدفع الإفطار، تدافع الصغار الذين كانوا بالقرب من المدفع نحو البيوت، أذن المؤذن، صاحوا في الحي بالقَسَم : أذن… أذن..، قلنا مع أهل الحي بسم الله، في هذه الأثناء طرقتْ عليَّ الصغيرةُ الباب وأنا أغلقه بإحكام، عندما عاد خيالي من غربته انتبهتُ إليها وهي تردد عليَّ وتسألني لمَ أغلقُ الباب؟ لم أقلْ لها إني أفتقد جدار الطين والهواء الذي يبرِّدُ صحون النشا، قالتْ لي : أستعد سيؤذن الآن، هززتُ رأسي بالإيجاب، كنتُ واثقًا من أن صغيرًا لن يربتَ على كتفي، بالطبع لم يكن حولي بقايا تراب أو ماء يخفف حرارة الأرض.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق