المقالات

ألثغ

بقلم الكاتب : محمد الرياني

انزوى عنهم بعيدًا ولكنَّ حوارهم الخافت لم يفتْ عليه، استأثروا بالجلوس على السرير ليبنوا أحلامهم، نظراتُ الحسرة على وجهه لم تزدهم إلا ضحكًا، نظر الأول إلى إحدى الفلل الفخمة، قال لصديقيه: هل ترون هذا المبنى؟ أصدرا قهقة مزعجة، قال: سأتزوج ابنة صاحبة البيت الجميل هذا عندما تكبر، ازدادا ضحكًا وضرباه على ظهره حتى سقط وهو يضحك معهما، ألم تجد غير هذا البيت؟ اجعل أحلامك على مستواك، قال سترون وهذا حلمي، وماهي أحلامك ياصديقي؟ قالها لأحدهما، اتجه إليه وهمس في أذنه وهو ينظر إلى الرابع في الركن البائس : حلمي مختلف عنك، أنا سأشتري تلك المزرعة بنخلها وأشجارها، سأستمتع بالشروق عندما تصحو الطيور، وبالغروب عندما تعزف لحن الوداع، والماء يجري في الساقية ورجلي تتدلى فيه، قالا له: خفف من الكذب، اختر أحلامًا على مقاسك، ردَّ بكبرياء سترون، وبعد ذلك لا أرى أحدًا يقترب من المزرعة؛ سأرسل عليه كلاب الحراسة، قالها وهو يضحك، صاح الثالث سأكون من أصحاب الثراء وسألعب بالأموال، قد أتعاون معكما، ولا أستبعد فشلكما، ربما يكون أحدكما هو الذي يحمل لي حقيبتي، انتبهوا من الآن، كل هذا والرابع في معزل يستمع للأحلام، نظروا نحوه باستخفاف : وأنت يا…. كانوا يقلِّبون ألسنتهم ويستبدلون الحروف بأخرى على طريقته : لم يجبهم، تركهم وغادر دون رجعة، توسعتْ الفيلا الفخمة وتغير لونها واقتربتْ من المزرعة، سورٌ طويلٌ أحاط بهما فيما بعد، كبرتْ الفتاة وتزوجت على غير توقع، تبددت الأحلام، ذهبت يومًا لتقطف من الحدائق أشهى الثمار مع رجل آخر غير الحالم، وجدا عاملًا يعمل في المزرعة، ناداه ليحمل عنه سلة الفواكه، عرفه ولم يعره اهتمامًا، عادا إلى البوابة، تأمل الحارس بعد غياب، أأنت فلان؟! تذكر السرير والهمز واللمز، نزلا من العربة المكشوفة الأنيقة، شاهدا عاملًا ثالثًا في الممر، ناداه ليحمل له الحقيبة وسلة الفواكه نحو البيت، قال له بلسان معوج على طريقته: هل تتذكرني؟ فضل الصمت، دمعتْ عيناه، جمع الثلاثة ، طلب منهم الانتظار، أخرج من داخل القصر سريرًا قديمًا، رأوه وهم مندهشون، قرّبه إليهم ليجلسوا ويستعيدوا أحلامهم، بينما هو واقف ينظر إليهم ، وضع السلة بينهم، طلب منهم أن يأكلوا من الفاكهة ليزيلوا مرارة الأوهام.

مقالات ذات صلة

إغلاق