المقالات

أوراق الحناء

بقلم الكاتب : محمد الرياني

البابُ الجنوبيُّ مفتوحٌ يكاد يستحوذ على كلِّ النسائم ،
لايوجدُ للباب منافسٌ في مساحته أو استقباله للهواء القادم دون اعتراض، عندما يزورُ الهواء الأشجار المصطفة في الدار تعترضه شجرةُ حناء معمرة وكأنه جاء من أجلها وحدها، أوراقُها تزدادُ اخضرارًا واتساعًا من الماء، والهواءُ يحركها كراقصة حسناء ليلةَ عرس، على الطريق المؤدي إلى الحيّ الآخر تتعمد (سعاد) أن تقف في منتصف الشارع لتراقب شجرة الحناء، أصحاب الدار لايغلقون الباب الجنوبي، ليس لأنهم يريدون من الآخرين رؤية فنائهم الأخضر، كانوا يسعدون برؤية قاطفات أوراق الحناء، يعجبهم أن تغمر الفرحةُ قلوبَ بنات الحي قبل أن يغمر الحناء أقدامهن وأيديهن باللون الأحمر، سعادُ امرأة طويلة القامة، لها يدان وقدمان تحتاج المزيد من أوراق الحناء، يعرفونها بابتسامتها وهي تقف في الشارع بأنها تريد أوراقًا من شجرتهم ، في واحدة من المصادفات الغريبة انغلق الباب الجنوبي، رائحةُ الشذى القادم من رؤوس الأغصان اصطدم في الباب وتسلل إلى الخارج بشكل غريب، كان عليهم أن يفتحوا الباب، شعروا بالألم، قيل لأحدهم افتح الباب، الأصغرُ والأخفُّ حركة يذهب ليفتح الباب، هبَّت النسائم التي صدَّها الباب المغلق، حضرتْ  بقامتها الفارعة، نادتْ بخجل، هل تهبون لي حناء؟ وهل زرعنا الحناء لنحبسه عن الحسان؟ هكذا راوده شعور، ناولها آلةَ قطْعٍ قديمة، قطعتْ فرعين يشبهان طولها واتجهتْ صوب الباب، كانت تتمتم بعباراتٍ فهمَ منها: لاتغلقوا الباب على أوراق الحناء، في الأصيل هبّتْ نسائم جديدة، من عادتهم أن يتركوا الشبابيك الغربية مفتوحة لتصل إلى الحجرات رائحة الأوراق الخضراء، النافذة الجنوبية كانت مفتوحة كذلك، سمعوا من جهتها أصواتًا وضجيجَ فرح، كأنَّ معنا عرسًا الليلة! هكذا كانوا يتساءلون!! تذكر بعضهم أن الجارة الحسناء تستعد لمناسبة سعيدة، في الصباح نزعوا الباب الجنوبي من مكانه حتى لايتكرر مشهد الانغلاق، تبادلتْ أوراقُ الحناء والنسائم المزيد من الاحتضان.

مقالات ذات صلة

إغلاق