المقالات
التسامح
بقلم د : ضيف الله مهدي
تجد الكثير من الناس يجهلون عليك ويخطئون ولا يعتذرون .. هل نلتزم الصمت أمام هذا الخطأ ؟ أم نبين لهم خطأهم .. لا بد أن نبين لهم الخطأ حتى لا يعودوا لمثله وعلينا أن لا نعامل بالمثل ، بل نتسامى ونترفع أن نجهل ونخطي ء على من جهل علينا وأخطأ.. فمن صفات عباد الرحمن قوله تعالى : (( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ))سورة الفرقان . وعندما يخطيء أي شخص فعليه الاعتذار ممن أخطأ عليه والتوبة من العودة لمثل هذا الخطأ ، سواء كان هذا الخطأ في حق من حقوق الله كتهاون في العبادة أو امتناع أو تعد لحد من الحدود التي حدها الله سبحانه ، أم كان الخطأ في حق إنسان اعتدينا عليه ويقول الله تعالى : (( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما )) سورة الفرقان .
والذي يخطي ء ويصر على الخطأ ولا يعتذر إلى من أخطأ عليه فعلينا أن نوضح له الخطأ الذي وقع فيه واقترفه وعليه أن يعتذر ويتعلم فن الاعتذار ، فالخطأ وارد والاعتذار واجب ولا يجيده إلا القليل ، والأمر أي الاعتذار مبني على منشأ نفسي ، فمنذ الطفولة إذا تعود الطفل على الخطأ وارتكابه ولا ينبه لذلك ولا يعتذر فإنه ينشأ على الحال حتى عندما يكبر نجده يخطيء ولا يعتذر ولا ينتهي ولا يؤنب نفسه على أخطائه ، وقد يصل به الأمر إلى أمر لا يحمد عقباه .
وذلك أنه ينشأ معدوم الضمير ( النفس اللوامة ) الذي يلومه على الأخطاء الذي يرتكبها لوما شديدا مما يدفعه إلى الاعتذار وطلب السماح والتوبة والوعد بعدم العودة وهذه النفس اللوامة قد أقسم بها الله في كتابه ولا يقسم الله إلا بشيء مهم فقال تعالى : (( لا أقسم بيوم القيامة () ولا أقسم بالنفس اللوامة))القيامة . وعند المحللون النفسيون تسمى ( الأنا الأعلى ) S u p e r Ego
وهو الجزء من النفس الذي يحاسب الإنسان على أفعاله ، ويؤنبه على أخطائه ويجعله يشعر بالندم على ما ارتكبه من ذنوب وأخطاء.
وكلنا نخطي ء ويقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( كل بني آدم خطّاء ، وخير الخطائين ، التوابون )) . وسأذكر قصة فيها اعتذار عن خطأ ، وهو أن امرأة أخطأت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكانوا يعرفون شدة عمر إلا أنها اعتذرت فقبل اعتذارها .. فقد كان رضي الله عنه يتجول في إحدى سكك المدينة ليلا فسمع امرأة تقول :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل
سهل المحيـا كريم غير ملجـاج
تنميه أعراق صدق حين تنسبه
أخي وفاء عن المكروب فـراج
وقد اشتهر نصر بن حجاج بالجمال والوسامة حتى افتتن به النسوة ، فأرسل عمر رضي الله عنه إلى نصر فإذا هو آية في الجمال فحلق رأسه فبدت وجنتاه كشقتا قمر ، فأمره أن يعتم يعمل نقاب أو برقع فافتتن بعينيه فأخرجه من المدينة إلى البصرة وكان رضي الله عنه يأتي إلى ما يفسد الناس وأخلاقهم من الجذور . والمهم أن تلك المرأة سمعت بما فعل عمر فخافت على نفسها وخافت أن يعاقبها فأرسلت إليه تقول:
قل للإمام الذي تخشى بوادره
مالي وللخمر أو نصر بن حجاج
لا تجعل الظن حقا أن تصدقه
إن السبيل سبيل الخائف الراجي
إن الهوى زم بالتقوى فيحبسه
حتى يـرق بإلجـام وإسـراج
فلما سمع عمر ذلك قال : الحمد لله الذي زم الهوى بالتقوى ..
فكلنا نخطيء سواء في حق الله أم في حق أنفسنا أم حقوق الآخرين وعلينا الاعتذار والتوبة والندم وعدم التمادي حتى يتوب الله علينا ويغفر لنا ويسامحنا الناس على أخطائنا .