المقالات

بائع

 

محمد الرياني

يحدثُ لأول مرة مني، البائعُ الذي يضعُ أمامه دائرة مبطّنة من الحديد يضع فيها لقيْماتٍ من الدقيق، كان ذلك في الصباح الباكر، تعمدتُ أن أكون قريبا من اللهب الذي يشتعل من الأسفل كي يذهبَ عني البرْد، كنتُ أقرّبُ يديَ اللتين سكنهما البرد تارةً من النار وتارةً أجمعُ بهما اللقيماتِ الحارة، منظرُ الحبَّاتِ البيضاء والصفراء دفعني لشراء المزيد فضلاً عن حاجتي للدفء من زمهرير الشتاء، الذين يقفون بجواري لم تعجبهم الطريقة التي أشتري بها، أكثرهم كانوا يرتجفون من البرد وعيونهم على ألسنة اللهب، ملأتُ الأكياس بوجبة الإفطار الشعبية المشبعة بالزيت التي اعتدنا عليها ، البائعُ لطيفٌ وظريفٌ وكنتُ أشاركه الصفة نفسها فيرتاح لي كثيرًا ويدعوني للبقاء بجواره حتى بعد إتمام الشراء، في اليوم الثاني كنتُ الأول حضورا، طلبتُ منه أن أجلس مكانه وأقوم بمهمته، ضحك حتى كاد يقع على النار من هول المفاجأة والجرأة مني، أكدتُ عليه أنني أجيد العمل الذي يقوم به، حضر الزبائن ليروا واحدًا منهم يبيع المطبّق، ضحكوا مني جميعًا حتى قلتُ لهم : كأنكم لم تروا عجَبًا قبل ذلك، ملأتُ المرْجلَ الواسع، كان منظره وهو على النار في غاية الروعة والجمال، الزبائن ازدادوا إعجابًا بي وبمهارتي، طلبتُ منهم الوقوفَ في صفٍّ منتظم لأبيع لهم، بدأتْ يدي اليمنى التي تحركتْ كثيرا تشعر بالتعب، بينما النار التي تحيط بي أكسبتني دفئا، ارتفعتِ الشمس، نفد الدقيق الذي كان يملأ السطول التي بجواري، صفّقَ لي البائع على أن ساعدته في يوم بارد، نهضتُ وأنا أشعر بالدفء والحيوية على الرغم من الجلوس الطويل، عندما هممتُ بالمغادرة ناولني بإصرار مبلغًا من المال نظير عملي ومساعدتي له، في اليوم التالي حضرتُ لأشتري بالنقود التي أعطاني إياها، عرفها من طيّها، بدا مبتسمًا للغاية، وضع لي اللقيمات في القراطيس البنيّةِ؛ اكتفيتُ بوضع يديّ على النار لأبثَّ فيهما الحرارة.

مقالات ذات صلة

إغلاق