المقالات
لحم الفريسة ومرق الصنايعية
✍? سالم جيلان أبو يزيد
الجمعة ١٦ ربيع الثاني ١٤٤١هـ ١٣ ديسمبر ٢٠١٩م
السيارة وسيلة تنقل ولها أهميتها العظيمة في حياتنا قد تتفاوت الحاجة لها بين المتزوج والعازب والذكر والأنثى وكذلك للكبار والصغار ولكن تبقى ضرورة حياتية…. توقفها أو تعطلها معضلة كبيرة لدى مالكها عكس من لا يمتلكها فقد اعتاد انعدامها وهذا التوقف يجعلك كمستخدم تسعى بكل الطرق والوسائل لإعادة صيانتها وتشغيلها كي تعود لممارسة حياتك الطبيعية مع وسيلة التنقل التي اعتدت عليها.
هنا تبدأ رحلة معاناة كبيرة إن كنت خبيرًا في مجال صيانة السيارات أو لا خبرة لك مع اختلاف حجم المعاناة وفي أحيان عديدة قد تتسلف وتتكلف لكي تفي بمتطلبات قطع الغيار وأجرة اليد العاملة وهي مربط الفرس…. نعم ” اليد العاملة” أو الصنايعية كما يُطلق عليهم أو يُسمون أنفسهم.
هؤلاء “الصنايعية” يعملون ليل نهار في صيانة السيارات ويجتهدون كي يحصلون على لقمة العيش وهذا الأمر مشروع وبمثلهم نعتز متى كانوا يراقبون الله في أعمالهم ويتقوه في تعاملهم وأما أن يتحولوا لمشلحين ونهابين وتتعدد طرقهم وأساليبهم في الاحتيال طمعًا وجشعًا في كل من تأتي به حاجته لإصلاح سيارته فهذا الشيء مؤسف ومخالف لشرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبالتالي يعمد الكثير منهم للغش والخداع من أجل الظفر بحفنة قليلة من المال لا تدوم معه طويلًا ويتحمل بسببها وزرًا كثيرًا وتؤثر على ميزانيتك وتتحمل بسبب توفيرها أعباء معيشية إضافية وبعد اكتشافك لمكرهم ونصبهم لن تجد أي تعويض وإما أن تدخل في أوجاع ودوخة الشكاوى ومراجعة الشرطة والجهات القضائية أو تُوكل أمرك وأمرهم لله وهو خير الحاكمين.
كتجربة حديثة على الصعيد الشخصي استرجعت المثل الشعبي المعروف ” من تراخص اللحم عاقبه الله في المرق” وكان الأجدر والأولَى والأحرى بي أن أستحضره في بداية الأمر بدلًا من استرجاعه بعد وقوع الفأس بالرأس وهذا اعتراف ضمني بخطأ وقعت فيه.
القصة باختصار حدثت بعد تعرضي لحادث مروري خرجت منه سالمًا بفضل الله تعالى وكرمه وانطلقت رحلة إصلاح السيارة وإجراءات الوكالة – اسم على مسمى – وشركة التأمين والورش والتسعيرات وشيوخ المعارض – حكاية مختلفة – وذلك حسب المتبع في هكذا حالات وبعد المفاهمة والاتفاق التام خرجت بقيمة التعويض ومبلغ آخر إضافي دفعته لكي أتملك السيارة حيث أنها في الدفعة الأخيرة ولا يخفى على أحدكم مافي هذا الإجراء من تعسف وظلم من أي ” وكالة” لأي مستخدم أو عميل وبفضل الله انتهينا وللخروج بأقل الخسائر اتجهت للصناعية في عكوة صبيا بحثًا عن ورشة سمكرة لاستكمال إصلاح السيارة وبعد شد وجذب وبحث لجأت لورشة كان أحد عمالها قد استقبلني بمجرد وصولي لمدخل الصناعية واصطحبني معه لورشتهم ووصلت معه لاتفاق مبدئي وترك لي بعد ذلك خيار البحث والتنقيب عن ورشة أخرى وهو ميقن ومتأكد من عودتي إليه لأنه بالفعل منحني سعرًا لن ولم أجده عند غيره.
عدت أدراجي لذات الورشة وذات الشخص فرحب بابتسامة المنتصر لعودتي خائبًا إذ لم أحظى بسعرٍ كمثل السعر الذي منحني إياه في البداية واستلم السيارة على أن يبدأ عماله في تعديل الشاصيه ومواضع وآثار الحادث الأخرى لحين تأمين قطع الغيار المطلوبة وخلال أسبوع تكون السيارة جاهزة تمامًا.
تواصلت معه معتذرًا لعدم مقدرتي على شراء قطع الغيار إلا بعد أسبوعين لعدم توفر المال ولانشغالي بمناسبة فرح لأقاربي فاستقبل عذري على أن ينتهي هو وعماله من التعديلات اللازمة لحين وصول قطع الغيار وتطبيق السيارة وقتها ومضت الأسبوعين وجئت إليه بقيمة القطع ونصف المبلغ المتفق عليه لشغل اليد حيث كانت عمليات التعديل قد انتهت وقتها وبعد ذلك حانت عقوبة ” المرق” فواجهت صنوفًا من الوعود والأعذار وكانت عقوبةً مضاعفة فبدلًا من تأخري أسبوعين بعذر مسبق عاقبني هو ورفاقه بستة أسابيع فيها من الوعود والتزييف والتسويف والأعذار الواهية الشيء الكثير وفي نهاية المطاف استلمت السيارة بوضعية مقززة ودون اكتمال العمل بل حتى ماتم إنجازه مشوه ولا يقوم به مبتدئ في مجال السمكرة ودهان السيارات… خلال الأسبوعين الأخيرة ترددت كثيرًا على صناعية عكوة وتجادلت مرات ومرات مع هذا السمكري ورفاقه وفي كل مرة يتدخل أحدهم بيننا ثم يعترف لاحقًا بالفشل والكذب وحتى من يتدخلون بيننا لحل النزاع يكذبون وعندما أوشكت على إبلاغ الشرطة وتصعيد الموضوع سايروني ووعدوا بتطييب خاطري وتسوية أي خلل ليس خوفًا وإنما حرصًا منهم على إرضائي كعميل حتى لا تخرج السيارة من ورشتهم وهي غير مكتملة على حد قولهم الزائف.
من المواقف الجديرة بالذكر في فترة هذه المعاناة كنت أذهب لهم هناك في الصناعية مرات برفقة أحد الأصدقاء الذي شهد وحضر وأيقن بخداعهم وغشهم وفي مرات أخرى كنت أستقل سيارة أجرة أو يجدني أحد معارفي فيوصلني دون أخذ أجر مالي مقابل إيصالي وهذه المواقف متكررة بفضل الله…. الشاهد في هذا كله أن جميع من ركبت معهم أو رافقوني لا يمتدحون الصناعية ولا الصنايعية فيها ولا يذكروهم بخير بل يؤكدون على أنهم يمتهنون النصب والاحتيال أكثر من ممارسة مهنة صيانة السيارات حيث قال لي أحدهم هذه ليست صناعية بل تشليح لأن من فيها ليسوا صنايعية إنما مشلحين وآخر وجّه لي تحذير شديد اللهجة بأن أتنبه قبل إخراج السيارة لكل شيء فيها فقد يقومون بأخذ قطع أصلية منها واستبدالها بقطع رخيصة وتقليدية للتكسب منها كما حدث مع آخرين قبلي وآخر قال لي كيف تُصدقهم وتأتمنهم على سيارتك أكثر من شهر؟! والمصيبة حين اكتشفت تعاملهم مع بعضهم البعض وعدم وجود الثقة بينهم والأدهى من ذلك عند بقائي بينهم لفترات طويلة عدة أيام من صلاة العصر إلى بعد صلاة العشاء للوقوف على عملهم بعد التحذيرات التي وصلتني مباشرة تفاجأت عندما يحين وقت الصلاة لا يقف معي في المصلى أحد منهم لا كاذبهم ولا الصادق فيهم!!!!!! هنا أدركت أنني قد تورطت والحمدلله على كل حال.
تأكيدًا لمصداقية كلام أحد الأصدقاء أعلاه فقد سمعت من ذات السمكري عندما هددته بالشرطة نفس الكلام حيث قال لي بالحرف الواحد ” والله إني احترمتك واستحيت منك وإلا كنت وضعت سيارتك خارج الورشة ليقوم المارقون بتشليحها قطعة قطعة خلال الأسبوعين الماضية دون تأمين قطع الغيار” اعتقادًا منه بأنه يستعطفني بهذا الكلام لكي أمتنع عن إبلاغ الشرطة على أقل تقدير لهذا السبب.
بالنسبة لي أستحق ماواجهت من معاناة والحمدلله على سلامتي قبل ذلك كله وبالتأكيد فخروجي سليمًا من الحادث أهم ثم انتهيت من أقساط الوكالة بالتسوية وهذا ثاني أهم المكاسب وسيارتي سوف أعمل بالتدريج على إصلاحها شيئًا فشيئًا حتى تكون على مايرام وأمتلك بفضل الله من الصبر مايعينني على ذلك ولكن أتساءل كما يتساءل العديد غيري :
– لماذا نقع كالفريسة لأمثال هؤلاء؟
– كيف يستمر هذا السمكري وغيره في تصيد الفريسة تلو الفريسة دون حسيب ولا رقيب؟
– من الجهة المخولة بالرقابة عليهم؟ ومتى تُمارس مهامها؟ وماهي الآلية المتبعة لاكتشاف نصبهم واحتيالهم؟
– أين يجدون الحماية لتتم تهيئة المساحة الكافية لممارسة أساليبهم الرخيصة في الابتزاز؟
قصتي معهم في صناعية صبيا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فقد سمعت وعايشت كما سمع وتعايش العديد غيري مع قصص مشابهة ومختلفة فيها من الغش والنصب والاحتيال مايندى له الجبين.
✍? سالم جيلان أبويزيد