
بقلم /محمدباجعفر
تعالي…
لا كضيفةٍ عابرة، بل كقدرٍ يعرف طريقه جيدًا. تعالي كما يأتي المطر بعد طول انتظار، بلا ضجيج، بلا استئذان، ويغمر الأرض حتى تنسى اسم العطش. أريدكِ الآن لا لأن الليل طويل، بل لأن قلبي أقصر من أن يحتمل غيابكِ دقيقة أخرى.
اجلسي قربي… لا تتكلمي. دعيني أتعلمكِ بالصمت، فالصمت بيننا أكثر صدقًا من كل الاعترافات المتأخرة. أريد أن أعدّ أنفاسكِ لا لأطمئن، بل لأتأكد أن هذه اللحظة حقيقية، أن دفء حضوركِ ليس خيالًا صنعه الشوق. كلما اقتربتِ، شعرتُ أن المسافة التي قضيت عمري أقطعها تتلاشى، وأنني أصل أخيرًا.
تعرفين؟
أنا لا أبحث عن اكتمال، بل عن سكينة. لا أريد أن أمتلككِ، أريد أن أستقر فيكِ. أن أكون ذلك التعب الذي ينام أخيرًا، وذلك القلق الذي يهدأ حين يضع رأسه قرب قلبٍ يفهمه دون شرح. قربكِ ليس شهوة، هو استراحة محاربٍ طال عليه الطريق.
دعي رأسكِ يميل قليلًا… هكذا.
هناك، عند تلك اللحظة الصغيرة بين الكتف والعنق، حيث تختبئ الطمأنينة، وحيث يصبح العالم خلفنا بلا أهمية. دعيني أغمض عينيّ لا هربًا، بل ثقة. فالقرب منكِ لا يحتاج مراقبة، ولا حذر، ولا أقنعة.
هذه الليلة لا أريد أن أكون قويًا.
أريد أن أكون صادقًا فقط.
صادقًا في ضعفي، في تعلقي، في هذا الاحتياج الذي لا أجيد إنكاره. أريد أن أعترف لكِ — دون كلمات — أنني حين أكون معكِ، أقل خوفًا، أقل قسوة، وأكثر إنسانًا.
لو تعلمين كم مرة مررتُ بالليل ولم أشعر به…
وكم مرة كان السرير واسعًا إلى حد الوحشة.
الآن فقط، المساحة كافية، والوقت مطواع، والروح تجد مكانها دون عناء.
لا أطلب غدًا، ولا وعدًا، ولا تفسيرًا.
أطلب هذه اللحظة كاملة، غير منقوصة، غير خجولة. أطلب أن نكون كما نحن، لا كما يجب، ولا كما يُنتظر منا. إن انتهت الليلة، فلتنتهِ وقد شربتُ منكِ ما يكفيني لأصدق أن القلب لم يُخلق عبثًا.
ابقَي…
ليس لأنني لا أحتمل الفراق، بل لأن القرب منكِ يشبه الإجابة التي لا تحتاج سؤالًا.
ابقَي، ودعينا نترك الليل يمر علينا بسلام،
فأنا… ما زلتُ ظمآن،
لكن عطشي الليلة يعرف أين يرتوي.



