المقالات
عصافير تلعق دمها
بقلم الأستاذ : محمد الرياني
يومٌ يشبهُ فصلَ الربيع، كنتُ في غايةِ السعادةِ لدرجةٍ نسيتُ معها أنني في فصلِ الصيف، جوُّ الغرفةِ كان باردًا؛ لكنَّ مشاعري كانت في قمةِ الدفء، اجتمعتْ فصولُ العامِ في مكانٍ واحد، لكنَّ فصلَ الخريفِ لم يحضر، بل جاء متأخرًا بعد أن غادرتِ الفصولُ الثلاثة، سعادةٌ غامرةٌ مشوبةٌ بالقلقِ تملكتني وأنا أودعها، لم أكن أعلم أنَّ هذا اليومَ جمعَ الفصولَ كي لا أراها ثانية، أو أسمعَ ضحكتَها التي تشكلتْ كألوان الربيع، انتظرتُ كثيرًا وأنا في قلق، حاولتُ استراقَ السمعِ لعلَّ الأصواتَ القريبةَ تنقلُ أخبارَ الموسمِ المختصرِ فلم أجد غيرَ كلامٍ باهتٍ مثلَ لونٍ رماديٍّ توالتْ عليه المتغيراتُ وألقى عليه غبارُ الزمنِ ويلاته، لم أكن أعلمُ أنَّ الخريفَ الذي رفضَ الحضورَ كان يُخبئ لي مفاجأة، وعلى حدِّ علمي بأن الخريفَ يُسقطُ الأوراقَ كي تتجردَ الأغصانُ من ثقلها ثم لا تلبث أن تعودَ في الفصولِ القادمةِ بكامل أناقتها، غير أنَّ الخريفَ ألقى بالأغصانِ كي تجاورَ الأوراقَ وتقضي على آمال الموسمِ المُزهرِ بربيعه، بقيتُ مثلَ طائرٍ جريحٍ يلعقُ دمَه القليلَ الناتئ من بين جناحيه وهو ينظرُ إلى أعلى حيث تحلقُ الطيورُ تحت ظلالِ السحاب، لم أصدق أن أحدًا سيأتي ليعيد لي الربيعَ الذي عشتُه في الغرفةِ الأسطورية، انتظرتُ كثيرًا وكثيرًا، أردتُ أن أحلمَ بعودةٍ خضراء تنبتُ أمامي ولا فائدة، عرفتُ أنني عشتُ وهمًا حقيقيًّا، وأن الفصولَ التي اجتمعتْ في مكانٍ واحدٍ التقتْ بالخطأ في يومٍ واحدٍ وعندما اكتشفتْ ذلك عادتْ للتفرقِ من جديدٍ وعلى العصافيرِ الجريحةِ مثلي أن تظلَّ تلعقَ دمها القاني وتكتفي بالنظرِ إلى أعلى حتى تعود المواسمُ المتفرقةُ في مكان واحد، وضعتُ يدي على قلبي ثم أغمضتُ عيني تخيلتُ بين جفنيَّ الربيعَ الذي خلَّفتْه وراءها، والخريفُ يسقطُ أوراقي وأغصاني تباعًا.