المقالات

الحنين للماضي والذكريات:

 

بقلم: هاله الغامدي

 

“عندما نقف وحيدين في لحظةٍ من السكون، يتجدّد الحنين للماضي ويبدأ كرنفال الذكريات بالتدفّق في ذهننا. في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت الحياة تنبض بالبساطة والدفء في آن واحد. كنا نعيش في عوالمنا الصغيرة المليئة بالحنان والاحتواء بين ذراعي الأب والأم، ومع كل لحظة كانت تنمو رحابة صدورهم تحت احتضانهم المُليء بالحنان والعطف.

 

من ذاكرتي المبعثرة، تتجلى ذكرياتنا في وادي الطفولة بوضوحٍ لا يُضاهى. كنا نستمتع برشفات المطر الندي ونحن نجري بين الأشجار، لنعود إلى المنزل وجوانا تحمل يدينا مشكولة الطين. نموذج الخبز الخيالي، الذي كُنا نصنعه ببراءةٍ شديدة من الطين ونُزينه بالتين والذي قمنا بعصر حليبه تلك المادة بيضاء التي كنا نتخيلها لبن لتغميس تلك الخبزة ( الوهمية فيها ) ، والجميل المضحك عندما كنا نصنع القهوة ( الخيالية ) من فضلات الأغنام، نعم كان ذلك الخيال لايفرق بين الأمرين ، قد يكون وجهة الشبه البسيط يجعلنا نتخيل أمور عجيبة. والجميل عندما كنا نصنع تلك العرائس من بكرات الخيط ونجعلها ترتدي ملابسة من قطعة القماش الصغيرة التي قمنا بقصها على شكل فستان ، هل سبق وقام أحدكم بدور العريس والعروسة ، ذلك الدور الذي تنتظره كل صبية منا وكل صبي وجميل منا ذلك العب الجنوبية ( زفت العروس ) وترداد – العبن يا زينات تحت الحماطة – عبارات نرردها بسعادة وبيدنا الدفوف المصنوعة من علب حليب النيدو ، وهل سبق لأحدكم أن غامر بلعبة البدو والخيمة ( ربما أغلبنا صنعها من مرتبة والدته في حجرتها ) تلك المراتب الاسفنجية الكبيرة أو من شراشفها التي كانت تملأ رايحتها الزكية المكان مما فيها من فل وكادي وريحان وعطر أبو عصفور والكلونيا ، كأننا في قصةٍ خرافية، نحن كبناتٍ بريئاتٍ نعيش في عالمٍ مليء بالبراءة والبهجة.

وفي ذلك الزمن الجميل كان الشباب يتسلى بصنع لعبهم الخاصة من أشياء بسيطة يجدونها في البيئة المحيطة بهم. مثل تلك اللعبة الممتعة من عجلة واحدة وبعض الأسلاك الحديدية. فكانوا يقومون بتوصيل العجلة بالسلك الحديدي ويدفعونها بها، مما يضفي على العجلة زخرفة تجعلها تبدو كأنها تمتلك قدرات خاصة. أو كأنها سيارة فيراري فارهةً، وهم يدفعونها أمام بنات القرية لإثارة اعجابهن ، كانت هذه الألعاب تعكس إبداع وخيال الشباب في تلك الحقبة، وتُظهر قدرتهم على الاستمتاع والابتكار حتى في الأشياء البسيطة.

 

ألعابنا البسيطة تشكّلت من تفاصيلٍ صغيرة تحمل بداخلها كنوزاً من الذكريات. لا يمكنُ نسيان مغامراتنا مع إخوتنا الكبار والأغنام التي كانوا يرعونها. كنّا كـ “هايدي” وصديقتها بيترا، نعيش في عوالم من الأحلام. تمازجت ذكرياتنا مع شباب القرية، حيث كنا نلعب دور الأمهات وربات البيوت ونُعدّ الطعام الوهمي.

 

تلك الذكريات واللحظات البسيطة تُشكّل جزءًا لا يتجزأ منّا. إنها تشكّل هويتنا وتزرع البسمة على وجوهنا في كل مرة نتذكرها. حنيننا إليها يبقى قوياً، ويُحفزنا على تذوق دفء تلك اللحظات والاستمتاع بالشعور بالأمان والحنان الذي كُنا نشعر به. حقاً، الذكريات ليست مجرد لمحاتٍ من الماضي، بل هي باقةٌ من العواطف تتفتح في أعماقنا وتهزنا في كل لحظة نتذكر فيها ماضينا الجميل.”

مقالات ذات صلة

إغلاق