المقالات
رسالة لن تصل..
بقلم: فاطمة حسن عياشي
أدرك جيداً أنها رسالة لن تصل وأدرك أيضا أنني قد تأخرت كثيراً لأمسك قلمي وأوراقي لأكتبها.
ولكن صدقا أردت أن أكتب لك وعنك
وما تأخري إلا لأني في كل مرة لا أستطيع التعبير أخاف كثيرا من استرجاع ذكرياتي معك وأتوقف عن ذلك!
ولكن في هذه الليلة وبعد مضي مايقارب الثمانية والعشرون عاماً على رحيلك..
استجمعت قواي وأدركت مؤخرًا أن البوح بمكنونات النفس قد يريح النفس وقد يكون في رسالتي لمسة حانية لمن تجرعوا مرارة فقد أحد والديه..
أردت أن أخبركِ يا أمي أنني كبرت كثيراً بعد أن رحلتي ليصبح عمري لايقاس بالسنوات ولا بالأيام فقد بدت الأيام أثقل وأقسى بعد رحيلك ..
مضت أيام طوال وأنا أحاول استيعاب ماحدث ..
كانت الأوهام بداخلي ترفض فكرة أنني لن أراكِ مجدداً…
وكنت أتمنى لو رحلت أنا عوضاً عنك،
ولكنها أعمارٌ وقدر الله نافذ.
ومع مرور الأيام بدأت أعتاد على عدم وجودك وأدركت أنكِ رحلتي رغماً عنك وأن ذلك قدراً لا مهرب ولا مفر لنا منه.
ومن المضحك المبكي أنه في غيابك أصبحت أجيد الطهو فجأة وبدون أي مماطلة أو تسويف أو شكوى وتذمر كما كنت أفعل معك ..
كما أصبحت عنايتي بإخوتي وأخواتي واجب وليس بطلب منك ..
بعد رحيلك تغيرت معالم روحي كثيرا فقد عمّ الصمت داخلي وتأججت أسئلة ليس لها إجابات على قيد الحياة فكلها رحلت معك!..
ولم أجد طريقة لأعبر عن مدى حزني لرحيلك..
حينها لم أكن أدرك ماهو الموت وكنت أظن أنه لايزور إلا كبار السن ..وحينما رحلت أمي أدركت أن الموت ليس له علاقة بالعمر وأن الأمهات يرحلن أيضا بعكس ما كنا نظن أنهن لن يرحلن أبدا
ورحلت أمي
ولم أعد أحتاج لمن يوقضني من نومي بعدها فصدى صوتها تكفل بإيقاضي لسنوات طويله بعد رحيلها..
وأصبح إخوتي الصغار هم جل تفكيري واهتمامي فقد أصبحت أستيقض في الصباح لأعد وجبة الإفطار لهم ولأبي ونستعد للذهاب للمدرسة كما أعتدنا في وجودها.
صدقًا..
لم أعد أتذكر كيف كان يمضي يومي في المدرسة ولكن ما أعرفه جيداً أن السكوت والهدوء أصبح يخيم على حياتي بعد رحيلك لم أعد كبنات جيلي هرمت فجأة وأصبحت مكانك في كل شيء..
رحلت أمي..
ولم تمر الحياة بعدها بسلام وإنما أمواجٌ من التقلبات الدائمة ..
حاولت جاهده أن لايؤثر غيابها على أخوتي فحاولت جاهدة أن أتقمص دورها في كثير من المواقف وإن خانني التصرف..
أما أبي فقد انهار كثيراً بعدها ثم عاد ليستجمع قواه ليكون كسابق عهده ولكن أعترف أنه لن يستطع فقد كانت أمي مصدر قواه بتضحياتها الكثيرة من أجلنا ومن أجله..
ومحاولة منه لإعادة التوازن لحياتنا فقد تزوج بأخرى .. ولكن كما نعلم ليس هناك من يستطيع أن يحل مكان الأم مهما بذل من جهد..
ورغم ذلك فقد مرت السنوات بكل ماحملته من الالآم والأفراح لنجد أننا كبُرنا أنا و إخوتي ومضينا في صروف الزمان وتبدلت أحوالنا
فمن إخوتي من أصبح أبا
ومن أخواتي من أصبحن أمهات يشبهنك كثيراً في خوفك علينا واهتمامك بنا
ورغم كل الأيام والظروف ومرور السنين إلا أن رسائل دعواتنا لك لاتنقطع حتى وإن لم تصل رسائلنا..!
فنحن لاننساك ولن ننساك ماحيينا.