فن وثقافة

جوكر الفن الفصيح محمد صبحي ومشوار فن عظيم يتوج في سماء المهرجان القومي للمسرح المصري

 

 

كتبت: ريهام طارق

ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الخامسة عشر دورة المخرج المسرحي والمهداة إلى المخرج عزيز عيد٢٠٢٢، برئاسة الفنان يوسف إسماعيل وتحت رعاية معالي وزير الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم يكرم. تم تكريم فارس المسرح المصري محمد صبحي عن مجمل أعماله، وبهذه المناسبة دعونا نقترب أكثر من الجوكر محمد صبحي ونتعرف عليه بشكل أكبر ونستعرض أهم تفاصيل مسيرته الفنية.

فكره… حلم… عمل… اخراج… ابداع…تاريخ
محمد صبحي فنان مستقل، حر، شجاع، جرئ، قائم بذاته، صاحب وجهة نظر، أيقونة الصبر، مُصلح تخاريف المجتمع، بُوصله العقل إلى سكة السلامة، عرف قيمة الوقت و قَدسه، أعطي للفن دون أن ينتظر ماذا سيجني منه، بَني من فنه معبدًا للجمال قواعده راسخه في العقل ثم القلب، قدم شخصية الرجل المصري في كل حالاته لتراه الأب ، والحبيب ، والأخ ، والصديق ، كان رمز حقيقي للإنسان المصري المكافح .

و هنا تملكني شغف كبير لمعرفة سر نجاح هذا الرجل وتساءلت كثيراً هل كان سر نجاحه هو الموهبة أم عشقه للفن أم كان طمعا في عالم الشهرة والأضواء، وفي النهاية توصلت إلى حل اللغز ومعرفة إجابة سؤالي، و كيف استمر كل هذه السنوات وهو محتفظ بمكانته واحترامه وحبه داخل كل قلب عربي، والإجابة هي تلك الكلمات “الإيمان، الصدق، اليقين”، محمد صبحي المؤمن بمبادئه، يقينه أنه على حق، صدق رسالته، أمانته التي كانت بطاقة دخوله إلى عوالم البشرية، ويظهر كـ فارس نبيل يمتطي جواده حاملا سلاحا سحريا يخترق به وجدان البشر و يلمس بيده جُراحه ، حمل على أكتافه مسؤولية إصلاح النفس البشرية، وترميم الروح و بنائها، واعتبرها رسالته ، مؤمنا أن إذا صلحت الروح صلح المجتمع بأكمله
كلمته دائما كالسهم يصوبها فتصيب القلب باحترامه قبل حبه فيجند المشاهد في محرابه، ليحتل قلوب محبيه أطفال وشباب وشيوخ، يجري في وَريده الفن الأصيل، ليفاجئ به الواقع قبل الجمهور قدم الفن عظيم الذي يخاطب به الجميع الجاهل والمتعلم على السواء.

بداية البغبغان المثقف

فارس المسرح العربي محمد صبحي من مواليد القاهرة الثالث من شهر مارس(١٩٤٨)، نشأ في بيئة فنية تعلم فيها حب الفن منذ نعومة أظفاره، عاش مع أسرته في منطقة شعبية أرض شريف بالقرب من شارع محمد علي أو شارع الفن حيث كان يوجد به عدد كبير من المسارح ودور السينما والملاهي الليلية، وكان منزل أسرته يقع أمام دارين للسينما شهيرين هما سينما “الكرنك” وسينما “بار داي” الصيفي، وكانت هذه فرصة ذهبية للطفل الصغير ليتابع جميع الأفلام التي تعرض ليبني، مخزون ضخم في ذاكرته يستدعي منه كل شخصية يؤديها، شَغل والده منصب مدير فرقة الفنان الكبير يوسف وهبي وكان مدير التسويق بهيئة المسرح والسينما والموسيقى والفنون الشعبية، وكانت مهمته تسويق حفلات مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص وحفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهم من كبار النجوم في تلك الفترة، وكان يمتلك ماكينة لعرض الأفلام فكان يشاهد من خلالها العديد من أفلام الباليه الراقصة، ومن هنا جاء حب الطفل محمد صبحي لفن الباليه والعزف على آلة الكمان وتمني أن يحترف أحدهما، وعندما وصل الي مرحله الاعداديه حصل على المركز الثانى على مستوى الجمهورية فى عزف الكمان، ثم التحق بجماعة التمثيل فى المدرسة.

“أصررت فذاكرت .. فأخرجت فأبدعت”
بعد حصوله على الثانوية العامة أراد الالتحاق بمعهد الباليه ولكنهم لم يقبلوه، فقام بتقديم أوراقه لمعهد الفنون المسرحية، وبعد الالتحاق باختبارات المعهد حصل على المركز الثانى فى اختبارات القبول المسرح ، وفي عام ١٩٦٨ بدأ محمد صبحي أثناء دراسته بالمعهد العالي للفنون المسرحية يشارك في عدد كبير من الأعمال المسرحية، في أدوار ثانوية أمام رواد المسرح المصري أمثال عبد المنعم مدبولي، فؤاد المهندس، محمود المليجي، صلاح منصور، حسن يوسف محمد نجم، محمد عوض، وقدم مسرحية “هاللو شلبي”

هاملت الفن الفصيح
تخرج من المعهد بتقدير امتياز عام ١٩٧٠ مما أهله للعمل كمعيد بالمعهد، كانت دفعته مميزه وخرج منها نجوما منهم “نبيل الحلفاوي، شعبان حسين، عفاف حمدي، ناهد حسين، محمد عبده، هادي عبده محمد جاد، رياض يزبك” قام بالتدريس في المعهد لمدة 15 عاما، ثم ترك التدريس ليبدأ رحلته في مسرحه الخاص ،جاءت فرصته الحقيقية من خلال مسرحية “انتهى الدرس يا غبي” عام 1975، البغبغان، المهزوز ،ملك سيام، المتحذلقات، ومنها كانت انطلاقته لعالم السينما والتي بدأت بفيلم “الكرنك”، ثم توالت بعد ذلك أعماله المسرحية والسينمائية والتليفزيونية، والتي قدم معظمها مع توأمه الفني الكاتب الكبير لينين الرملي، وأسس معه فرقة “استديو ٨٠” عام ١٩٨٠ الذي وصفه صبحي قائلا “لينين كان مفكرا وليس مؤلفًا، لأن رؤيته كانت مختلفة عن باقى المؤلفين، وتمكن من أن ينقل المسرح من العالمية إلى الرؤية المصرية، كوّنا ثنائيًا فنيًا من طراز فريد، كان أقوى فريق مسرح فى الوطن العربى، وتجاربه مازالت تدرس، وستظل فى الوجدان وهم : “انتهى الدرس يا غبي، تخاريف، أنت حر، فيلم العميل رقم 13، بالعربي الفصيح، حتى انفصل صبحي عن لينين الرملي، بعد مسرحية “وجهة نظر” وقام ببناء مسرحه الخاص في مدينة سنبل الذي شهد أعظم عروضه المسرحية، وأسس فرقة “استوديو الممثل”،
ومن أبرز أعماله المسرحية التي قدمها علي مسرحه هي
“انا النحله والدبور، خيبتنا، غزل البنات، سكه السلامه ٢٠٠٠، نجوم الضهر، عيله اتعمل لها بلوك”.
الجدير بالذكر أن محمد صبحي قد ساهم أيضا خلال عشرين عاماً فى إعادة بناء وتجديد خمسة مسارح منها مسرح القبة، والليسيه، والفردوس، ولكن تم بيعها في مزادات.

لم تقتصر علاقة صبحي بالمسرح فقط ولكن امتدت إلى الأعمال التليفزيونية من وسط السبعينات ومن أعماله التي قدمها “خلي بالك من جمعه، شملول النمس، فرصة عمر، كيمو، عالم غريب، أيام المرح، كيف تخسر مليون جنيه، في بيتنا رجل، البحث عن فردوس، بيت سيئ السمعة سهرة تلفزيونية، نعيما ايها المجانين سهرة تلفزيونية”
جاءت وفي منتصف الثمانينات قام بتقديم مسلسل “رحلة المليون” من جزئين، عاد مرة أخرى في منتصف التسعينات بمسلسل “يوميات ونيس” ، حقق نجاح جماهيري ضخم وحاز من الشهرة الواسعة والتي كان لها السبق في زيادة عدد مشاهديه، استعرض في العمل أهم أزمات الأسرة المصرية وأخطر المشاكل التي تتعرض لها، ومواقف الآباء في تربية الأبناء، وقد امتد هذا المسلسل يحمل ثمانية أجزاء ، ونيس والعباد وأحوال البلاد، رجل غني فقير جدًا، ملح الأرض ، ملح الأرض ، أنا وهؤلاء، فارس بلا جواد ،

“عائلة المايسترو محمد صبحي”
تزوج مرة واحدة فقط طيلة حياته من الفنانة الراحلة نيفين رامز، ولدت السيدة نيفين رامز في الثامن من يناير عام ١٩٥٠، وهي تنتمي إلى أسرة فنية عريقة وهي عائلة “رضا”، تربطها صلة قرابة مع الإعلامية دينا رامز، فهي شقيقة والدها، عملت في فرقة رضا الاستعراضية وقامت بادارتها أيضا، وشاركت في عدد كبير من الأعمال الفنية من خلال عملها في الفرقه في مصر وعدد من دول العالم، ثم التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتتلمذت على أيدي الفنان محمد صبحي، كانت تتميز بأنها انسانه جاده قليله العلاقات والصداقات وكانت أقرب صديقاتها الفنانة هناء الشوربجي، لفتت انتباهه بقوة شخصيتها، ثقافتها، كبريائها، رقتها، التزامها الأخلاقي والمهني، حبها للفن، أعجب بها وتقدم للزواج منها، وافقت ونشأت بينهما قصة حب قوية
اتجهت بعدها للمسرح وشاركت في مسرحية “أنت حر”، و”هاملت”، أمام محمد صبحي، عملت أيضا كـ مساعد مخرج في عدة أعمال منها مسرحيات “كارمن، عائلة ونيس، الهمجي، وجهة نظر”، وكانت مخرج منفذ في مسرحية “على بلاطة”.
ونتج عن هذا الزواج ابناءه وهم كريم مهندس حاسب آلي، ومريم خريجة تجارة إنجليزي، وصرحت قبل ذلك السيدة نيفين رامز أن محمد صبحي الزوج يشبه كثيرا شخصية ونيس بل أنه أخذ الكثير من حياته الشخصية ووضعها في أحداث مسلسل يوميات ونيس منها مواقفه في المطبخ وقالت أنه عندما يدخل المطبخ يجعله فى منتهى الفوضى، و علاقته بأبنائه ظهرت بشكل قوي في المسلسل ومن أبرز المواقف المتشابهة “مدرسة القرع العسلي”، هذه الجملة يقولها محمد صبحي لابنته مريم دائما عندما تقوم بتدليله عندما يكون لها طلب معين ، وجاءت نهاية قصة الحب بصورة قاسية وهي عندما أصيبت نيفين رامز بمرض سرطان الثدي في عام ٢٠١١، وأجرت عدة عمليات، وخضعت للعلاج الكيميائي لمدة ستة أشهر، وظلا معا حتى رحلت عن عالمنا في يوم السادس من ديسمبر عام ٢٠١٦ بعد معاناة طويلة مع المرض اللعين .

“مسرح محمد صبحي ملك وجهة النظر”
تراه في المسرح قائد عسكري، صاحب قانون الالتزام مبدع، متجدد مختلفا، يعمل بدقة متناهية تصل الى المبالغًه، سابق لعصره فنه صالح للبقاء حاصل على ختم الجودة، صلاحيته ممتدة إلي مالا نهاية، يسعى دائما للحفاظ على شرف المهنة، يحمل سمات الفنان الحقيقي ونشأ المسرح الساخر السياسي، رفض أن يكون نسخة مكررة شبيهه لأحد، أو امتداد لنهج من سبقوه بل أكمل طريقهم بوجهة نظره وبصمته الخاصة، من الصعب أن تري ايفيه أو حوار مكرر في مسرحياته، استطاع أن يجعل من الفن مرآة يكشف فيها المرء عن حقيقة ذاته، مستهدفا متعة العقل قبل متعه القلب، حرك عقل المشاهد جعله يفكر، يستوعب، يتعلم ثم يضحك، وتبني قضية الجهل وعدم الوعي، مسرحة مصل يقاوم فيروسات المجتمع ليخلصه من خلاياه السرطانية الفاسدة

“محمد صبحي الدكتاتور والقائد العسكري”

محمد صبحي هو الفنان الوحيد الذي أعطي للقب “الديكتاتور”، جمال خاص لأن ديكتاتوريته كانت دائما لصالح الممثل قبل العمل، كتب مع فرقته ميثاق الانضباط والالتزام، واحترام الوقت وتحمل المسؤوليه، ومن ناحيتهم وضعوا فيه ثقتهم و موهبتهم بين أيدي قائد حكيم علي يقين أنه فنان علي درجه كبيره من الوعي والثقافة جعلته قادر على فهم قدرات وطاقات الممثل الذي يقف أمامه واعطاءه الفرصة والمساحة المناسبة له، يحرص على التواجد قبل رفع الستار بـ خمس ساعات، وباقى الممثلين يحضرون قبلها بساعتين على الأقل، عكس ما يحدث فى الكثير من المسارح التي قد يصل فيها النجم بعد موعد فتح الستار، فرقة محمد صبحي الوحيدة التي تعطي تدريب لأعضائها من خلال تدريبات شاقة ومنضبطة، وتلتزم منهجا للتدريب لكي لا تقل قدرات الممثل، ولا تقل التدريبات على أى مسرحية عن ثمانية أشهر، لذلك تجد أن كل ممثل تخرج من مدرسته ممثل من العيار الثقيل، ولهذا السبب يطلق على فرقه محمد صبحي “فرقة الفنية العسكرية” لمحمد صبحى، أسعار تذاكر مسرح “صبحي” أقل من المسارح الأخرى و دائما هناك خصم ٥٠% للمدارس والجامعات والمؤسسات وعدم القادرين وذوي القدرات الخاصة، لذلك لا يحصل على أجر مقابل العمل فى المسرح في حين أن من حقه الحصول على ٢٥% من العائد، و لكن في حالة حصوله على أجره و ستكون النتيجة أن المسرح سيغلق ولن يحصل أعضاء الفرقة على أجورهم،

ومن أبرز النجوم الذين تتلمذوا على يده:”نيفين رامز ، هناء الشوربجي ، الهام شاهين عبدالله مشرف، عبلة كامل، مصطفى شعبان، احمد أدم، صلاح عبدالله، هانى رمزى ،منى زكى، سعاد نصر، جميل راتب” وغيرهم من كبار نجوم الساحه الآن

مقالات ذات صلة

إغلاق