فن وثقافة

احمد سمير يتجاوز حدود الابداع في إخراج مسرحية البئر

 

صموئيل نبيل أديب
المستشار الإعلامي

تدخل إلى مسرح الطليعة .. علي مساحه مسرح اقل من ٤ متر مربع تجد قفص من الحديد المستخدم في مسابقة المصارعة بداخله فتاه جميله ترتدى فستانا بسيطا و شابين كلاهما يرتديان تيشيرت و رجل عجوز تظهر لحيته الرمادية سنا اكبر منهم بينما ملابسه كلها سوداء
..
يبدأ العرض و تقف الفتاة تحمل رقم 1 بينما يقف الشبان في وضعية المصارعه و الرجل في وضعية الحكم…ويتكرر الأمر ثلاثة مرات بدون اي تغير حيث تصفر صافرة الحكم و تقف الفتاة لترفع رقم واحد بينما يجلس الشابان في وضعية المصارعه..

حتى يتحدث أحدهما في صوت طفولي يتحدث عن حياته كطفل أحب أغنيات الكبار ومنها ” من غير ليه”.. و فجأة يتحول الشاب الاخر الى طفل يسمع اغنية لولاكي و الشابة تصبح فتاة صغيرة تلعب معهما..
يتطور الأمر إلى مشاجرات طفوليه متعددة تذكرك بحياتك في الثمانينات حيث “اديك بوكس اخليك صابونه لوكس” و غيرها الأمر الذي انتزاع ضحكات الجمهور الذي تذكر الطفولة البريئة..
بعد عدة أحداث تذكرنا بفترة الثمانينات نكتشف ان الرجل الكبير هو ابو الفتاه و مدرب مصارعه الذي يعجب بالطفلين “في ذلك الوقت” و يقرر تدريبهما كمصارعين

تجري بنا الأحداث إلى مرحلة المراهقة حيث يتصارع الشابان علي حب الفتاه بينما يحرص المخرج الي نقلك الى زمن التسعينات حيث اغنية ” كماننا” من فيلم اسماعيلية رايح جاي الذي أحدث نقلة في سينما التسعينات..
بينما تندهش من براعة الممثلين ( الفتاة /فاطمة احمد – الشاب الطيب /مصطفي عماد – الشاب المهزوز احمد عامر ) علي قدراتهم الصوتية و الفنية في تغير صوت الطفل الى صوت الشاب مع حركات الجسد المصاحبة لفترة المراهقة..
بينما يركز العرض على حياة الشاب الطيب الذي يصفه العرض بأنه لقيط ، تم انتشاله من البئر حيث لا نسب و لا عائلة و محاولته أن ينتزع حب الفتاه عن طريق فوزه في بطولة المصارعة.. يمشي النص بالتوازي على إظهار حياة الشاب الآخر الذي يغش في البطولة باستخدام المنشطات فيقرر والد الفتاة استبعاده من التدريب …
و في لوحات فنية إبداعية رائعه يستغل المخرج الاغاني لكي يجعل المشاهد يشعر بمرور الزمن.. فبينما يكافح البطل لكي يفوز، يقرر والد الفتاه رفضه لانه بلا نسب ولا حسب.. بالرغم من فوزه ببطولة مصر إلا أنه في نظر المجتمع لقيط بلا نسب..
و بعد حوارات رائعه و تنافس رهيب في التمثيل يجري بنا المخرج عبر أهم أحداث التسعينات .. من غرق عبارة السلام في البحر الأحمر.. في إشارة إلى غرق أحلام الشاب الطيب بحضور المنافس له الذي سافر إلى أمريكا وعاد غنيا..
الى حادثة قطار العياط الذي تحطم بسبب الإهمال بينما خسر البطل بطولة أفريقيا لكي يحصل على مبلغ يساعده في الزواج ولكنه يكتشف انه تم النصب عليه في هذه اللحظة تحدث حادثة قطار العياط.. في إبداع فني رائع من المخرج و إشارة مهمة عن هذه الفترة الزمنية .
بينما تتوالى الأحداث في شكل لوحات فنيه متقطعة خلال أحداث يناير وثورة، 30 يونيو.. و تستمر المسرحية..

– التمثيل : قدمت و ببراعه كبيره جدا الفنانة الشابة فاطمة احمد واحدة من أروع الحوارات المسرحية.. استطاعت أن تنقل لنا أحاسيس الطفولة بنبرات صوتها الهادئ مع وجهها الملائكى و ان تظهر لهفة حب المراهقه .. و استطاعت ان تنقل لنا عزيمة و إصرار الأم التي تدافع عن طفلها في آخر المسرحية بنبرات صوتية قوية و ملامح جادة بالرغم من انها لم تغير ملابسها طوال العرض.. الأمر الذي اتوقع لها مستقبل رائع علي خشبات المسرح

– قدم الشابين احمد عامر و مصطفي عماد أداء متوازنا جدا و راقيا في إظهار تناقض الطبيعة البشرية. في العديد من الإشارات المسرحية المبدعه بين الطفل الذي ليس له نسب /مطصفي عماد – و الطفل الذي يسعى إلى المكسب السريع /أحمد عامر… فبينما استخدم مصطفى نبرات صوته المتذبذبة في إشارة إلى عدم شعوره بالأمان نظرا لعدم وجود أسرة ، استخدم احمد عامر نبرات صوته القويه في إشارة لقوة الباطل علي الحق الضعيف.. و بينما كان مصطفى ينظر دائما الي الأعلي وهو يكلم الجمهور في إشارة إلى نظرته إلى المستقبل .. لم يواجه احمد عامر الجمهور بنظراته المباشره الا قليلا جدا… في اشارة لخوف الباطل من مواجهة الحقيقيه

– بينما قدم الفنان محمد بهجت دور الأب /السلطة بشكل اكثر من رائع بملامح جادة معظم الوقت يتخللها استخدام نبرات صوتية بها من الحنية ما يجعلك تعرف مقدار الالامه حتى وهو يستبعد أحمد عامر من البطولة بسبب المنشطات أو وهو يركب قطار العياط بسبب الفقر…
– الإضاءة : البطل الخفي في العرض .. فمهمة أن تنير و تظلم مسرح مساحته 4 متر مربع هي مهمة في منتهي الصعوبة حيث تكفي إضاءة شمعة لكي تنير جزء غير مرغوب فيه .. لذا كان مصمم الاضاءة ابراهيم الفرن و منفذ الإضاءة احمد طارق هو المبدعان على خشبة المسرح لاسيما في أحداث غرق العبارة. و أحداث قطار العياط

– سينوغرافيا ابراهيم الفرن – كيروجراف محمد صلاح – مخرج منفذ ريم الصواف

الإخراج و المخرج احمد سمير :

لا يمكن حرفيا ان تغمض عينيك في أثناء المشاهدة من كثرة الرموز و الفنيات التي وضعها المخرج في العمل…
* فمنذ البداية استخدام قفص لكي يجعلك تشعر أن الحياة محدوده و محكومة
* جعل الفتاة و الشاب الطيب و الحكم يرتدون نفس الملابس طوال فترة العرض ( تقريبا) في إشارة إلى أن الناس الطيبه لا تتغير.. بينما تغيرت ملابس الشاب الآخر/الشرير حسب كل فترة زمنية فى إشارة إلى تغير النفوس البشريه.. بينما ظل الأب في ردائه الأسود طوال العرض في إشارة إلى سلطة القضاء و المحاماة و العدالة.. والي الأيام الصعبة..

* استخدم الاغاني الزمنية بهدوء شديد و رائع لكي يجعلك تعود إلى الفترة الزمنية بشكل هادئ وسلس
* إبداعه في استخدام الاضائه بشكل رائع جدا حيث صغر المساحة أظهرت براعته الإخراجية في توصيف الإضاءة في العمل..
* قدرته على إدراج رموز الفترات الزمنية والأحداث داخل العرض بطريقة واضحة و بسيطة غير متكلفة
* واقعية المصارعه التي تمت خلال في العرض لدرجة ان يحمل الممثلين بعضهم بعضا في حركات مصارعه حقيقيه.. (دربهم لعبة المصارعة محمد صلاح)

أما أكثر ما أعجبني هو مشهد تصوير حادثة قطار العياط.. ( حيث يجلس الأب محمد بهجت علي كرسي ويدور حوار تفهم منه أنه متجه الى العياط.. بينما يمسك الممثل مصطفى عماد بحديدة و يحركها على القفص وهو يدور حول المسرح معطيا صوت (عجلات القطار على السكة الحديد ) يُظلم المسرح تماما إلا من نور بسيط قادم من اتجاه واحد بينما يستمر مصطفي في الدوران السريع و الحديدة تعطيك صوت عجلات القطار.. ثم صوت تحطم زجاج رهيب.. بينما يتساقط قطع ورقية ملونة بالأصفر أمام النور الأمر الذي يعطيك احساس انها قطع زجاج الشباك التي تكسرت بفعل الحادث.. مع توقف الأصوات تماما بشكل كئيب مقبض ..

بالاجمال مسرحية” البئر” من إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة و العرض لوحة فنيه رائعه من إيداع الممثلين الي اضاءه الي مخرج واع يمتلك زمان ادواته الخارجية بحرفية فائقة
.
و لابد هنا أن أشكر الأستاذة مريم سليمان
و العزيز جرجس صبحى.. من فريق عمل GR GROUB على إبداعهم في تغطية المهرجان

 

مقالات ذات صلة

إغلاق