المقالات

حزمة

بقلم/ د. أحمد محمود الرحل

الیوم زارتني حزمة من الیأس، تلثمت وانتصبت أمامي كأنھا جنیة، أصبحت أشك أنھا تعلم ما یدور برأسي فتوصد دوني الأبواب حینھا أسمع صوت قھقھتا وھي تردد: ألم تیأس بعد؟!!
نعم عرفت الیأس وكرھت رائحتھ النتنة ولباسھ الخرق، نعم علمت أن جنوده كُثر ولھم أذناب وسدلھ. یا لھم من زمرة، یأكلون الباطل ویسرقون الخیر ویبذرون الجھل ویربون الظلم بینھم كما یربون فلوھم ثم یتشدقون بالرحمة والعدل والحب والجمال والعلم والأدب.

كیف استطاع ھؤلاء الظلمة اقناع الناس بأن لدیھم مفاتیح الیأس وأنھم قادرون على إیصال من یریدون لتلك الحالة، عجبًا لھم، أقصد تبًا لھم. تحطیم إرادة وبناء منظومة محكمة من الأقفال حول عنق من لا یروق لھم، فكلما نھض خنقتھ وأقعدتھ، فیصبح یدور كما الثور حول الساقیة، لا ھو یستفید من الماء الذي یستخرجھ ولا ھو یسیر للأمام. كلما حاول الخروج من ھذه الساقیة نقلوه لساقیة أقدم فتصبح مھمة استخراج المیاه أمرًا مستحیلاً. ھنا یبدو الیأس مزھوًا بالنصر وقد لبس ثوبًا لا یستر عورتھ وتدلت شفتھ السفلى لتبرز لك الأسنان القذرة وجحظت عیناه برسائل المكر والخبث والدھاء والمكیدة والغدر والخیانة والإستھزاء وخیبة الأمل والإستسلام.
یا لھ من كریھ، یجند كل ما تطالھ یده من الشر ضدك، یشعرك أنھ ترك ثمانیة ملیار شخص یعیشون على الأرض وتفرغ لك لیجعلك تتمنى الموت على الحیاة، یجعلك تكره أن ترد على ھاتفك أو أن تتصل على أحد وأن كل حدیث معك یرھقك ویمزق قلبك ویشعب روحك، یجعل الذین تعرفھم ینفرون منك ویفرون عنك فرارھم من الأسد ویتركوك لتعالج یأسك وحدك. یا لھ من عدو أشر، في الصباح یبدأ معك، فكل من أعطاك موعدًا قبل أیام یلغیھ أو یؤجلھ، وفي أثناء النھار، یسبقك لكل مكان تنوي قدماك أن تحملك إلیھ وكأنھ یخبرھم عنك، فلا یستقبلك أحد بإبتسامة كما تبدأھم، وتسمع ھمس بعضھم وكأنھم یعرفون كل شيء عنك، تظن أنھ لا مكان لك في المكان ولا زمان لك في الزمان.

نعم، ھكذا ینتزع الیأس قلبك ویستبدلھ بآخر رقیق شفاف. یعجز ھذا القلب الجدید عن القیام بالدورة الدمویة الكبرى ولا حتى الصغرى. أي نظرة تخدشھ وأي كلمة تبكیھ وأي شفقة تمزقھ وأي شماتة تمیتھ. ھذا القلب لیس لھ من الحیاة إلا أن الیأس غرس أظافره فیھ، وضرباتھ غیر منتظمة، وأنھ یھيء نفسھ لأخذ استراحتھ الأبدیة. فقد اقنع الیأس القلب بأن یتمرد علیك، ویحرمك الراحة في النوم والیقظة. نعم، تتسارع وتتباطىء ضربات القلب، تحاول جاھدًا فك رموزه لكن دومًا ما تفشل فتعود كسیفًا حزینًا مأسورا. القلب الجدید لیس قلبي ولست صاحبھ، یجعلني أخشى علیھ كثیرًا، فلا یھدأ أبدًا إلا حین یتأكد من ھطول الدموع من عیوني كالمطر والعزلة عن الناس وعدم شغلي بشيء في حیاتي. آرى ھذا القلب الجدید كالطفل، شدید التأثر بالآخرین، یتعاطف مع الذین یعانون ولا یرغب بالمزید من الحیاة.
إن رأیت الیأس مثلي، فلا تتركھ أو تتركني وتنصرف، إن جنود الیأس یتصرفون بتناغم وانسجام منقطع النظیر. فلا نكون أقل منھم، ذكرني بالله والخیر منھ والرحمة الواسعة والفضل العمیم، وسأذكرك بأجر الصابرین المحتسبین الآوابین. نعم نتواصى بالحق وبالصبر، نشري أنفسنا بتلك الدمعات والعبرات والزفرات ونجأر لله الذي منھ الخیر وبیده الخیر وإلیھ الخیر.

تذكر دائمًا قول الله سبحانھ وتعالى ﴿ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهََّ یُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا

 

مقالات ذات صلة

إغلاق