المقالات

خطايا الماضي

 

صموئيل نبيل أديب

قال صاحبي: “تخيّل يا أخي فلان غلط فيَّ أنا .. لقد صنع هذا عن عمد، متعمّداً إهانتي.. “…
بينما يستمر هو في حديثه، يراني صامتاً.. يظنّ أنّي أؤيّد كلامه، لذا يتفاجأ بأنّي أقول له:( لعلّه لا يقصد…لعلّه لم يعرف.. لعلّه ولعلّه… أرجوك سامحه ..)
يظن أني أدافع عن الآخر، بينما أنا أدافع عن نفسي.. أحاول أن أبرر موقفاً حدث معي منذ خمسة و عشرين عاماً.. في أيام الجامعه، حيث كان السكن في بيت المغتربين القادمين من خارج المحافظة… في عمارة كبيرة كلها غرف لأمثالي من طالبي العلم حتى لو في الصين….

كنت أسكن في غرفة ومعي فيها زميل بلدياتي… و لكنه أصغر مني سنّاً، لذا فقد كنت الأقدم في الغرفه، و هو المستجد الذي قدم منذ أسبوعين فقط … و يخبرني أنه سيسهر مع طلاب دفعته في الدور الثاني للمذاكرة استعداداً للامتحانات لذا يقول :”صموئيل لا تضع المفتاح في الباب بعد أن تُغلقه”.. و يكرر الأمر مرتين، و انا أُخبره ” لن أنسى .. ولا تقلق أنت تعلم أن نومي خفيف” .… فينصرف بينما أستعد أنا للنوم مبكراً لان عندي محاضرات غداً…
أنام في عمق لأستيقظ صباحاً بمفردي، قبل حتى أن يرن المنبه، .. أنظر إلى سريره فلا أجده عليه.. أخمّن انه ربما نام عند أصدقائه.. و أتحرك ناحية باب الغرفة، لأكتشف أنني قد أغلقته من الداخل و نسيت المفتاح في الباب!!!
يانهار اسود.. كيف نسيت… لقد نبّه علي أكثر من مرة..
أفتح الباب لأجد طالباً من الغرفة المجاورة يستعد للذهاب إلى المحاضرة الأولي وهو ينظر إليّ بغضبٍ شديد قائلاً ( أنت نايم نومة أهل الكهف؟ .. أنت صحّيت كل السكن و محدش عِرف ينام بسببك )…
لأكتشف أن “زميلي” حاول أن يدخل الغرفة، و لكنه لم يعرف بسبب المفتاح، فطرق الباب عدة مرات و مرات أخرى.. وأخرى… حتى أنه من شِدة الطرق أيقظ كل الزملاء في الدور، بل لقد حضر مشرف السكن من الطابق الأرضي على صوت الطرق… و كل هذا وأنا لم أستيقظ….حتى اضطر آسفاً إلى أن يبيت في غرفة أحد الزملاء، متجاوراً له على سرير يتسع لفرد واحد فقط…
أذهب إلى صديقي معتذراً.. لا أعرف ماذا أقول.. فكيف يقتنع أنني لم أتعمّد ان أغلق الباب بالمفتاح؟ .. و كيف يقتنع أني لم أستيقظ حتى مع كل هذا الطرق الذي أيقظ مشرف السكن من الدور الأرضي….
طبعا لم يقتنع… و طلب نقله من الغرفه و رحل… رحل بعدما اقتنع أني طردته من الغرفه بالذوق، و قلتها لا باللسان وإنما بالفعل الأكيد..

أُخبره و أخبر كل الزملاء.. لم اسمعكم.. صدقوني.. كنت نائما كما لو أن أحدهم وضع سدادة أذن في اذني… و لكن لا أحد يصدّق….فالجرم جرمان.. غلق الباب وعدم الاستيقاظ.. و العتب شديد لأنى صديق قبل أن أكون زميل سكن..
تذكّرت وقتها قصة حدثت سنة 323م قرأتها و لم أصدّقها حتى أصحبت أنا نفسي أحد ابطالها…[ فقد حضر ضيفا إلى الأنبا باخوميوس .. و إذ استمر الحديث معه حتى منتصف النهار.. دخل عليهما تلميذه فقال له الأنبا باخوميوس : اتعب وضع طعاماً للضيف.. فقال له التلميذ حاضر ثم انصرف ، لتمر ساعتان و يحضر تلميذٌ آخر ويكرر الأنبا باخوميوس الطلب ” يا ابني أحضِر طعاماً للضيف” ويقول التلميذ حاضر يا أبي. . و ينصرف و تمر ساعات حتى يشعر الأنبا باخوميوس بالحرج و يقوم بنفسه( مع كبر سنه ) .. ليعدّ الطعام للضيف… و بعدها يلتقي مع تلميذيه و يعاتبهما بمحبة الأب : طلبت منكما أن تُحضِرا طعاماً للضيف و لم تُحضرا، فهل يقول الضيف أننا بخلاء..؟!..
ليخبراه التلميذان في نفس الوقت. ” ما سمعناك تطلب طعاما و انما سمعناك تقول لنا أغلق الباب وانصرف.. فأطعنا وانصرفنا”!!! .. ]..

كيف سمِعا، شخصان مختلفان، كلماتٍ غير حقيقية؟ .. و كيف نسيت أنا و لم استيقظ بعد كل هذا الطرق، وأنا الذي استيقظت صباحاً بدون حتي جرس المنبه؟ … لا أعرف.. و لكنّي أحكي قصتى هذه كلما رأيت مشاجرة قائلاً : أعطِ عذراً… فالأمور ليست دائماً مثلما تراها .. و الشيطان بالحقيقة.. شاطر.. شاطر جداً.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق