المقالات
“\u0644\u062d\u0627\u0641\u064c \u0646\u0633\u062c\u062a\u0647 \u0628\u0642\u0644\u0628\u064d \u0628\u0627\u0647\u062a”
بقلم : ندى الاسمري
على كرسيٍ هزّاز ، وفي ليلة من ليالي أواخر الشتاء ، تلك الليالي التي لم تَعد أدخنة المداخن فيها تتراقص ، وحدي -عدى لو عدّيت أحاديث سريرتي ضيوفًا- ، حائرة ، هادئة ، باردة ، رغم أن أرضي لم يصبها يومًا الثلج ، إلا أنها تُثلج -في داخلي الآن- حتى أنّي أكاد أتجمّد بردًا ، شوقًا ، أسمع ولأول مرةٍ أغنية “أغدًا ألقاك ؟”
هذه الأغنية التي لولا صغر سني ، وعدم فقداني لعقلي ، وذاكرتي ، وخوفي من حِلفٍ غموس ، لأقسمت أنّي من كتبها .
لا أعتبر الشوق شعورًا ، إنه لعنة ، أتوافقوني ؟
لعنة تجعل المحب من فرط الشعور يرغب بالهرب من نفسه ، يرغب أن يرمي قلبه ، ويهرب ، كما لو كان ذاك القلبُ ، قنبلةً موقوته .
آخ .. من قلبي ، هذا القلب الذي إن أحبّ ، لا يحب بأنصافه ، ولا يحب بثلثيه ، قلبي قلبُ متطرف ، لا يرى الجنة إلا بالحب ، إن أحبّ ، أحب بكلّه ، وأقسم لمحبوبه بالولاء على المصحف ، نعم ، قنبلة ، صادقة ، جدًا ، محبة جدًا ، قنبلةٌ محشوةٌ بالورد الطائفي ، وماء زمزم ، ومسك الكعبة ، أسألكَ ، بالله عليك .. كيف سيشتاق هكذا قلب ؟
لو أعدتَ رمي السؤال علي ، فسأقول أنهُ شوقٌ كشوق أمهات الأبناء المهاجرين ، كشوق شجر الزيتون لأخيه شجر الزيتون ، على التربة الشامية ، كشوق الأقصى ، لصفوف المصلين ، كشوق عرعر أرضي ، للمطر ، وصوت وهزّات الهزيم ..
أنا ابنه الجبل البارد ، بربك ، كيف يشتاق قلب من حفر في الجبال بيوتًا ، وتقطعت شفتاه بردًا ، ورغم ذلك ، لازال يغنّي ، أغانِ العاشقين ..
أغدًا ألقاك ؟ سؤال عابر على عقلي ، بسيط ، تافه ، لكنّه وجوديّ ، قاسٍ ، عنجهيّ ، أمام قلبي المسكين .
منذ سنة ، وأنا أنسج حديث اللقاء وأنقضه ، أنسجه ليلًا ، وأنقضه عصرًا ، مللت ، حتى نسجته بقلبٍ باهت حتى غدا -ذاك حديث- كلحافِ أيتامٍ جائعين .
أغدًا ، ألقاك ؟
أيها القريب جدًا ، لقلبي
والبعيد ، جدًا ، عن حضني ؟