المقالات

المساء و الحب

 

 

لقد حل المساء و فاض نور …
و رق الجو و ارتفع الحرور
و شيعت النجوم غروب شمس …
و قد راحت على شفق تغور
و غشانا الدجى و أفاق ليل …
كأن ظلامه الداجي بحور
و إني لا أرى إلا وجوها …
على قسماتها رقص السرور
لقد حل المساء و قال هيا …
إلى قيم بها الدنيا تثور
له من غيره نفس و نفس …
و أرض في نعومتها حرير
و إملاء يضج بكل عقل …
و يجذبه فينتبه الخبير
و يذكر أنه من قبل قاسى …
و غير لون بشرته الهجير
لقد حل المساء و لاح منه …
بنان نحو من يهوى يشير
خفي فيه نودع كل سر …
خصيب فيه يزدان الأثير
بهي في خطاه و قد تجلت …
به الأشجان و ازدهت القصور
تنقلت النفوس به فسرت …
و نال على تنقله الصبور
سرور عمنا حتى بكينا …
فدمع العين من فرح غزير
لقد حل المساء و حل حب …
تولانا و طاش بنا الغرور
و كان لنا السفير لحلو وصل …
يعللنا و ما كذب السفير
و نادانا هلموا و استحقوا …
مجالي فالمجال بكم يفور
و إن مع الدجى سكنا إذا ما …
تدلت فوق ما نبغي الستور
و إن يكن النهار أطال هما …
بنا فالليل في الفرح القصير
ألاقي في الولاء عليه سعدا …
إذا ما قلت هيجني يمور
مساء الخير في كر و فر …
و قد طافت بنا بالحب حور
إذا ما جئت أسعد بانتماء …
تولى أمر سهرتنا السمير
كأن جميلة حسناء راحت …
برحلي و استبد بنا القفير
أتيت لها على قدمي أمشي …
و يحملني لها وجد كبير
دنت ممن دنا منها و قرت …
و كان لها بلهفتنا سفور
و إني ما خشيت على فؤاد …
مشوق في تشوقه يزور
و إن قلوبنا لما استهامت …
بجود ليس يقنعها اليسير
لقد حل المساء بنا و عادت …
إلى الأعشاش للنوم الطيور
و لكنا فتحنا ألف باب …
إلى سهر و ما اختل الشعور
تسيرنا المنى طوعا و كرها …
بروعته و تنتهك الخدور
و كم نروي الجوانح بالتلاقي …
و مشربنا به عذب نمير
و نظفر فيه بعد عناء يوم …
براحتنا و تنجبر الكسور
و فيه بلذة نأوي لنوم …
له في الراحة الفضل الشهير
فما زالت به الأيام تجري …
و كأس الحالمين به تدور
و جاء المقبلون كأن فيه …
لهم وعدا و قد هتف البشير
و جنوا في غرام الليل حتى …
تكاد قلوبهم فيه تطير
و أمسى مهرجانا فيه تتلى …
قصائد و المساء بها جدير
بدا الشفق الجميل على غروب …
بحسن ليس يخدشه غيور
و أضواء النهار به تلاشت …
و أوغل في مناكبه الحضور
و ليل مثل موج البحر أرخى …
سدولا بالهوى فهفا القرير
هو الشيء الذي لا بد منه …
و تصفو للنفوس به الأمور
و باسم الله نولج في قلاع …
و يجمعنا بما فيها مصير
و إن ولوجنا في الليل شيء …
به في الحب تمتد الجسور
و ما ضاقت نفوس في سراه …
و كيف و من به يهوى يسير
و حسبي بعد تجربة بأني …
بكل جلاله فينا بصير
يكاد إليه يستبق المناجي …
بلهفته و يكرمه الأمير
و لو يجزى بما صنعت يداه …
نهارا لاستهام به عشير
لئن كان النهار له بهاء …
فإن الليل ليس له نظير
و إن ولى و غابت كل شمس …
فقد سطعت بأنجمها البدور
و إن جار النهار فأي ليل …
سعيد لا يجور و لا يحور
و إن كان الحماس به فماذا …
سيوهنه و قد برز النصير
يذكر من سرى و يتيه دلا …
و قد وجبت عليه به النذور
و ما يدريه ما ذكر و أنثى …
إذا لم تغره الفرس الجرور
و ما يدريه ما ليل إذا لم …
يجل غيومه قمر منير
و إن شاء استباحة أي أمر …
فهل غير المساء له يثير
و هل بالليل مثل الحب حب …
به نسري و هل كالدور دور
و قد خط الكتاب بكل كف …
أمورا ليس يجهلها الكثير
فنظهر بالهوى أفقا و تطوى …
لنا الدنيا و تبتسم الثغور
و نبطش باليمين إذا أردنا …
و ليس لنا ببطشتنا نكير
و لم نرغب من الحساد قولا …
سوى ما فيه تنشرح الصدور
إذا ماالليل عسعس قال مالم …
نقله و فاح بالفل العبير
كأن نسيمه أرج الخزامى …
و إظلام الدروب به نشور
أهيم بمن أحب و إن قلبي …
يراقب ما يلوح و ما يغور
فإن طاب المقام به لهونا …
كما يلهو بلعبته الصغير
و حزنا من غنائمه و عشنا …
نعيما و الملم به الأثير
تعاقب في الحياة بنا نهار …
و ليل و المدى لهما ظهور
فنجهد في النهار على جهاد …
و يؤوينا له الليل النضير
و نجلس ساعة و نقوم أخرى …
بسعي لا يكل و لا يخور
نحب كليهما و نظل نحيا …
على ما كان قدره القدير
و لكن المساء نراه منا …
قريبا و الفؤاد به أسير
و من يك رامه عشقا فإني …
به في كل غاشية فخور

الطائر الجريح
احمدالمتوكل بن علي النعمي
جازان – حرجة ضمد
٢٧ – ٦ – ١٤٤٣

 

مقالات ذات صلة

إغلاق