المقالات

الحمٰام: طائر جميل ام هوام ضارة؟

 

بقلم / د. خالد بن محمد إدريس

إستشاري طب جراحة القدم والكاحل بكالوريوس إحياء دقيقة وعلم المناعة

شُبهة الحمام وسميت في المدن الحديثة بالجرذان الطائرة، لانها بالفعل مثلها مثل القوارض تعتبر من الهوام الضارة والمؤذية ذات التأثير السلبي على البيئة وأمن الصحة العامة.

لا تقتصر مضار حمام الهوام على قذارة منظر مخلفاتها فوق مختلف أنواع الأسطح والأرض، بل أن شدة حموضتها تسبب تلف الطلاء والألوان على السيارات و المباني، إضافة إلى الرائحة الكريهة عند تجمعها، والضوضاء من صغارها عند التفقيس، و إحتمال جلبها للأفاعي والحنشان والحشرات والقوارض حيث تسكن، بل هي أيضا ضارة صحيا على العديد من أجهزة الجسد وبالذات الجهاز التنفسي والجلد.

ينقل الحمام أمراض جرثومية عديدة عن طريق روثها الذي يحتوي على العديد من أنواع البكتيريا والفطريات بشكل خاص والتي تكون شديدة الخطورة على كبار السن ومن لديهم أمراض تؤثر على قدرة الجهاز المناعي بالجسم لمحاربة العدوى مثل مرضى السكري ومن يتناولون عقاقير مثبطة للمناعة بسبب أمراض روماتيزمية أو بعد نقل وزراعة الأعضاء، هذا عوضا عن إثارة تهيج حساسية الجلد والجيوب الأنفية والأزمة الرئوية بسبب ريشها المتساقط في كل مكان.

من التساؤلات الواردة إحتمالية نقل الحمام للأمراض الڤيروسية التي يعاني منها العالم خلال السنوات الماضية مثل إنفلونزا الطيور (H5N1) أو مرض (SARS)، أو حتى كورونا / كوڤيد ١٩؟

لا توجد دراسات حالية تدل على نقل حمام الهوام لهذه الأمراض، إلا أن الاحتمال يظل وارد للڤيروسات الحالية أو أخرى جديدة قد تستحدث في المستقبل. عندها سيبدأ العالم، بعد فوات الأوان، بوضع خطط جادة للتخلص منها مثلما حاربت البشرية الجرذان عند إصابتها بوباء الطاعون واستنتاجها ان الجرذان كانت السبب في نقل هذه الأمراض على مدى العقود الماضية. كما توجد هناك أعداد كبيرة من الدراسات العلمية التي تعدد وتسرد أنواع الكائنات المعدية التي تصيب مربيين الحمام ومن يعيش حولها، أو تعيش حوله.

من أين أتى الحمام إلى المدن وما هو مصدره؟ الحمام الهوام تتواجد حاليا في معظم مدن وقرى العالم حيث وجود البشر والذي يمثل مصدر غذاء سهل لها، وعدم وجود حيوانات تقتات عليها و تصطادها، أدى الى انفجار كبير في تكاثرها وتعدادها حتى أصبحت تعد مؤذية. مثلها مثل كل الحيوانات والطيور المستأنسة، أتى الحمام من الجبال والبراري، إلا أن أعداد الحمام الأصلي البري النقي في تراجع كبير لعدة أسباب منها اضمحلال بيئتها الطبيعة.

ومن الملاحظ في الكثير من مدننا وفي الأحياء السكنية حيث قامت الأمانات بتعبيد مساحات كبيرة وسفلتتها، أو عدمه، بغرض تخصيصها مواقف سيارات أو مناطق للتنزه وحدائق، يقوم البعض برش الحبوب والدخن ووضع الماء بشكل شبه يومي لإطعام الحمام الهوام مما يجعلها تتعلم على المكان وتعود إليه كل يوم لتقتات وتتكاثر،،، و تترك فضلاتها و أوساخها ورائحتها و جراثيمها لتملأ المكان وتحتله وتحوله إلى مرتع لها مشَردا بنو البشر لاغيا الغرض الذي خصص له هذا المكان مؤذيا لكل من يمشي بالطريق أو يسكن بالقرب منها.

كلي ثقة في حسن نية من يقومون بإطعامها فهم يظنون أنهم ينفذون أوامر سيد الخلق في الرأفة والرفق بالحيوان إذ قال صلى الله عليه وسلم: (من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة) [أخرجه الطبراني في الكبير: (7915)، وحسنه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: (27)]

وحينما تساءل صحابته رضي الله عنهم فقالوا: (يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا، قال : في كل كبد رطبة أجر)، [أخرجه البخاري: (2363)، ومسلم: (2244)].

إلا أن هذا لا ينطبق على الحمام الهوام الضار ولا على قطط الشوارع أو الكلاب الضارية أو الأفاعي ولا الفئران و الجرذان، بل على طائر أو حيوان طبيعي في بيئته عالق أو جريح في خلاء أو ظمآن في صحراء.

بل أوصى عليه السلام بقتلها، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الهوام من الجن، من رأى شيئًا في بيته فَلْيُحَرِّجْ عليه ثلاث مرات، فإن عاد وإلا فليقتله فإنه شيطان» [مسلم: السلام(2236)، والترمذي: الأحكام الفوائد(1484)، وأبو داود: الأدب(5256)، ومالك: الجامع(1828)].

وإن كان في تربية الحمام بالمدن او إطعامها ضررٌ عامٌّ أو خاصٌّ على أحدٍ من الناس، فإنّ ذلك يكون من الأمور المنهيّ عنها؛ لثبوت الضّرر على الغير، عملاً بالقاعدة الفقهيّة القائلة: (لا ضَرر ولا ضِرار)، فلا ينبغي للمسلم أن يُلحِق الضَّرر بنفسه، أو يُضرّ غيره، ولا ننسى قول الله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

قد يتذكر البعض منا عدد من المدن الأمريكية أو الأوربية التي كانت بها ساحات كبيرة لتجمع الحمام وعلى رأسها مدينة لندن إذ كانت برحة ترافالجار (Trafalgar Square) تغص منذ بداية القرن التاسع عشر بآلاف من الحمام.
كانت، ولا زالت برحة ترافالجار تعتبر من المعالم السياحية التاريخية المهمة التي يزورها آلاف السياح سنويا لكن كم هي مختلفة اليوم مقارنة بما كانت عليه عندما كان يأخذنا والدي حفظه الله لقضاء العطلات الصيفية في لندن. كانت هذه البرحه من أماكني المفضلة في لندن، فكنا نذهب لشراء الدخن لإطعام الحمام وهو يتطاير فوقنا متضاربا للقط الحبوب ويحط على رؤسنا وأكتافنا ونحن نتنطط خوفاً. بفضل الله لم يمرض منا أحد.

أين ذهب حمام برحة ترافالجار وغيرها من الساحات حول العالم؟
لقد نصوا القوانين لمنعها ومحاربتها ومن بيع الأكل لها، فقد تم منع آخر بائع في لندن عام ٢٠٠١ بعد عمله هو وعائلته في هذه المهنة لعقود، وتم وضع لوحات إرشادية لمنع إطعام الحمام.

والطريف أن عدد من أمانات المدن العالمية بعد منعهم إطعام الحمام، قاموا بتوظيف النسور والصقور لأكلها و مطاردتها خارج المدن لتصبح الساحات نظيفة وخالية من إيذاء حمام الهوام الضار.

بالرغم من عدم تهديد الحمام الهوام، حاليا، لصحة الانسان بشكل مباشر، إلا أن منظر تجمعات الحمام الهوام غير النظيف، وتحفيزها على التجمع أصبح مظهر غير حضاري ويجب التخلص منه أولا لمضاره العمرانية ثم لمضاره الصحية المثبتة لبعض الفئات من الناس، و أخيراً لاحتمال نقله لأمراض وبائية نحن في غنى عنها.

أحث الجهات المعنية قبل فوات الأوان، وضع خطة للتخلص من حمام الهوام وتقليل أعداده لأنها بدأت في الخروج عن السيطرة، مثلما يوجد بالأمانات فرق لمطاردة والتخلص من الكلاب البرية في المدن و قطط الشوارع. كما أتمنى وجود مبادرات توعوية للمجتمع بالكف عن إطعامها وحثها على التجمع لعل وعسى تقل أعدادها تدريجيا أو تذهب مع الرياح إلى أعالي الجبال حيث بيئتها الطبيعية وتعيش في تبات ونبات.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق