المقالات

مُعلمةُ المنصورة .. ضحيةٌ وليست جانيا !

 

صبري الموجي:

صار من المؤسَف له انشغالُ الناس بأمورٍ صغيرة، جعلوا منها قضية الساعة، وانطلقوا ينسجون حولها الحكايات والأقاويل، التي يكونُ معظمُها كذبا بحسب ما تقتضي الحبكةُ الدرامية، وما يستتبعُ ذلك من تدخل في خصوصيات الناس، والتسلل إلي خبايا البيوت وأسرارها.

ومن تلك القضايا “فيديو” رقص معلمة المنصورة، ورغم رفضنا المُطلق لما بدر منها من حركات مُبتذلة، وجرأة لا تتناسب مع وقار المعلم، وعفاف المرأة، إلا أن معالجة الموضوع عبر وسائل الإعلام كانت أفدح من المشهد ذاته، وأساءت أكثرَ مما أصلحت، حيث شاركت عدةُ جهات سواء عن قصد أو غير قصد في الإساءة لتلك المعلمة، التي نُقر ونبصمُ بالعَشرة أنها أخطأت حتي لا يعترض علينا مُعترِض، أو يخرج من بين سطور المقال من يدعي أننا نشجعُ الرقص والإباحية، وحاشا لله أن نكون كذلك، أو ندعو إلي التسيب والانفلات من قريبٍ أو بعيد، ولكنه الحق، وصدق ربُنا : (ولا يجرمنكم شنآن قومٍ علي ألا تعدلوا).

كان الخطأ الأول فيما صنعه مروج الفيديو عبر وسائل الميديا، رغم أنه كان شريكا لهم في اللهو واللعب، والرقص والمرح، وعليه من الوزر ما علي تلك المعلمة؛ لأنه لم يتخولها بالنصيحة، ولم يترك مكانَ الرقص علي اعتبار أنه أخفُ الضررين، بل سلط نظره علي حركات المُعلمة، وركز في تصويره علي حركات الإسفاف بغرض إدانتها والتشهير بها والنيل من سُمعتها وكرامتها.

الأمر الثاني أنه بترويجه لهذا المشهد صدق عليه قولُ ربنا : ( إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشةُ في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، وذلك بإقامة حد القذف عليه في الدنيا، وبعذاب النار يوم القيامة، فكان من الأولي به الستر، ولكن قاتل اللهُ الجهلَ فقد أوردَ صاحبه المهالك .

ولينتبه القارئُ إلي أن الستر من أهم مقاصد الشرع وغاياته حتي مع جريمة الزنا التي تُعد من أكبر الكبائر، وهذا ما وضحة النبيُ صلي الله عليه وسلم في قوله لـ(هزَّال بن رئاب) الذي نصح ماعزا بأن يُخبرَ الرسول بما وقع منه من زنا : لو سترته بردائك لكان خيرا لك).

أقول : هذا مع جريمة الزنا ثابتة الأركان التي يهتزُ لها عرشُ الرحمن، فما بالك بمشهد رقص في مكان عام، ووسط زملاء العمل .. ألم يكن السترُ أولي ؟

وممن شارك في الخطأ أيضا مسئولو التعليم بالمنصورة، الذين ما إن سمعوا الخبر حتي أقالوا تلك المعلمة المتطوعة من عملها، كما لو كان عائدُ عملها الزهيد عبئا علي مديرية التربية والتعليم بالمنصورة لا يستطيعون توفيره، وجاءتهم الفرصة علي طبق من ذهب ليتنصلوا منه!

وقطعا لا يُعد هذا قرارا حكيما من مسئولي التعليم، الذين كان ضربُهم للمعلمة في مقتل، متناسين أن قبولها هذا العمل رغم قلة أجره وعائده ربما كان بسبب الحاجة والعوز، وهذا لا يعني أنني ضد عقاب المخطئ، بل أطالب بأن تكون في العقاب رحمةٌ، وأن تُراعي من ورائه المصلحة، أما مبدأ تبرئة المسئولين ساحتهم علي حساب مرؤوسيهم فهذا – يا سادة – يتعارض مع فن الإدارة ومُقتضي المسئولية .

والخطأ الأكبر فيما فعله الزوج بأن ذبحها بسكين بارد، وأقدم مباشرة علي الطلاق، رغم أنه آخر مراحل تقويم الزوجة بعد النصيحة والزجر والهجر وربما الضرب، وبهذا التصرف القاسي أغفل الزوج قولَ ربنا : ( ولا تنسوا الفضلَ بينكم).

فما ذنب هؤلاء الأولاد في تشتيت أسرة لمجرد خطأ، يحدث كل يوم ومن الكثيرين؟

ألا يخافُ ذلك الزوج أن تُقدمَ زوجته علي الانتحار لو تملكها اليأس، أو أن تسلك طريق الرذيلة – وأربأ بها أن تفعل ذلك – بعد أن نظر إليها المجتمعُ تلك النظرة المُتدنية؟

وأخيرا .. الخطأ أيضا في تداول ذلك المشهد عبر الميديا، وانتشاره كالنار في الهشيم، وهو ما يتطلبُ إعادة النظر في مراقبة تلك الوسائل التي تروج للجريمة وتنشر الفاحشة، وهي تظن أنها تُحسنُ صنعا .

 

مقالات ذات صلة

إغلاق