المقالات
أَقْلَامٌ سَاقِطَةٌ فِي وَحْلِ التَّبَعِيَّةِ.
مُنْذُ فَجْرِ التَّارِيخِ، تَعَاهَدَ الْقَلَمُ وَالْمِدْفَعُ لِلسَّيْرِعَلَى نَفْسِ الْخُطَى، هَذَا يَذُودُ عَنْ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ بِالنَّارِ وَالشِّرَار، وَذَاكَ يَخُطُّ حُرُوفًاََ كَالرَّصَاصِ عَلَى الْقِرْطَاسِ، فَيُشْعِلُ نَارًاََ تَأْكُلُ الْبَاطِلَ، وَتَتْرُكُ ضَوْءَ الْحَقِّ سَاطِعًاََ، يَسْتَنِيرُ بِهِ أَهْلُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَكَانَ الْمِدْفَعُ يَتَحَرَّكُ بِوَحْيٍ مِنْ الْقَلَمِ، وَيَتَوَقَّفُ بِوَحْيِهِ، وَالْحَقُّ يَظْهَرُ بِتَحْرِيضٍ مِنْ الْقَلَمِ، يَقْتُلُ الْفِتْنَةَ فِي مَعْقِلِهَا، وَيُلْجِمُ الْإِشَاعَةَ فِي بُؤْرَتِهَا بِبِضْعَةِ سُطُورٍ خُطَّتْ مِنْ قَلَمٍ.
مَا الَّذِي تَغَيَّرَ الْآنَ؟ أَهُوَ الْقَلَمُ، أَمْ الزَّمَانِ؟.
تَنَوَّعَتْ الْأَحْبَارُ الَّتِي تَمُدُّ الْأَقْلَامَ، وَزَهِدَ أَصْحَابُهَا فِيهَا، وَنَسُوا الْعُهُودَ، بَلْ نَسُوا بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَقْسَمَ بِالْقَلَمِ وَقَالَ: ” نَ وَالْقَلَمُ وَمَا يُسْطُرُونَ”، وَبَاعَ بَعْضُهُمْ قَلَمَهُ بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ، وَفَرِحَ بِمَا غَنِمَ، وَسَاوَمَ شَهْبَنْدَرَ التُّجَّارِ بَعْضَهُمْ وَجَعَلَهُمْ كَتَبَةً عِنْدَهُ مُقَابِلَ ثَمَنِ بَخْسٍ، وَاسْتَخْدَمَهُمْ فِي الْبَطْشِ وَالدَّلْسِ، وَتَجَبَّرَتْ أَقْلَامُهُمْ عَلَى هَذَا وَذَاكَ، وَأَصْبَحَتْ تَابِعَةً لِمَنْ يَسُومُهَا بِثَمَنٍ أَكْبَرَ، وَنَسُوا أَصْحَابَ الْمَظَالِمِ الَّذِينَ اسْتَجَارُوا بِأَقْلَامِهِمْ عَلَّهَا تَفْصِلُ الْحَالَ، وَتَحَقَّقُ الْمُحَالِ.
إِنَّ الْأَقْلَامَ سَيِّدَةُ الْمَوَاقِفِ لَا تُتْبَعُ لِأَحَدٍ، وَلَا تُبَاعُ أَوْ تُشْتَرَى، لَكِنَّهُ زَمَنُ الْمَوَازِينِ الْمَقْلُوبَةِ الَّتِي صَوَّرَهَا التَّابِعُونَ بِأَقْلَامِهِمْ بِأَنَّهَا أَخَذَتْ صِفَةَ الْكَمَالِ وَالْعَدْلِ، وَأَيُّ عَدْلٍ يَأْتِي مَنْ قَلَمٍ لَهُ ثَمَنٌ، وَيُسَاقُ إِلَى الْأَسْوَاقِ وَيَتِمُّ بَيْعُهُ جِهَارًاََ، وَأَمَامَ الْمَلَأِ دُونَ خَجَلٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحَقِّ الْبَائِنَانِ، وَدُونَ خَوْفٍ مِنْ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، يَتْبِعُونَ الْبَاطِلَ وَيُظْهِرُونَهُ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ رَغْمَ قُبْحِهِ، وَتُخَطُّ أَقْلَامُهُمْ فِكْرٌ مَمْزُوجٌ بِالسَّخَافَةِ وَالسَّطْحِيَّةِ، وَيَتَتَبَّعُونَ أَصْحَابَ الْفِكْرِ الْهَابِطِ، وَيَجْعَلُونَ مِنْ صَغَائِرِ الْأُمُورِ مَادَّةً دَسِمَةً تَجُوبُ كُلَّ الْفَضَاءَاتِ.
أُعِيدُوا لِلْقَلَمِ هَيْبَتَهُ، أُعِيدُوا لِلْقَلَمِ سُلْطَتَهُ الَّتِي وُجِدَ مِنْ أَجْلِهَا، حَرَّرُوا الْأَقْلَامَ مِنْ التَّبَعِيَّةِ، وَانْشُلُوهَا مِنْ وَحْلِ الْعُبُودِيَّةِ، دَعُوهَا تُسْطِّرُ لِلْحَقِّ وَبِالْحَقِّ، فَهِيَ الشَّاهِدُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْحَقِّ.
عَاشَتْ الْأَقْلَامُ الْحُرَّةُ.
د. انتصار الزيود