المقالات

من زين العابدين إلى نسرين

 

 

محمد الرياني

لم أتَخصَّصْ في دراسةِ الجغرافيا ؛ لكنَّ معهدَ إعدادِ المعلمين في جازان كرَّمني في نهايةِ العامِ الدراسيِّ كأفضلِ طالبٍ في مادةِ الجغرافيا عندما كنتُ فتىً صغيرًا في السابعة عشرة من العمر ، كان يقفُ وراء هذا الإنجاز المعلمان القادمان من دولةِ السودان : الأستاذ /علي حسن وزميله الأستاذ /زين العابدين ، تعلمتُ عبرَ أسلوبِهما البديعِ كيفَ أطوفُ العالمَ وأنا في مكاني وكيفَ أرسمُه بعنايةٍ على ألواحِ الورقِ الأبيضِ ليراه الطلابُ على الجدرانِ عالَمًا بديعًا في منافساتِ الفصول ، حفظتُ منهما عواصمَ العالمِ والتصقتْ بجمجمتي حتى أضحى رأسي الصغيرُ كرةً أرضيةً للعالمِ الواسعِ الكبير، ولاأزال أرى خيالَهما مثلَ عملاقين بملامحِ النيلِ وهبوبِه يقفان أمامي وهما يشرحانِ التضاريسَ والمُناخَ والحدودَ والعلاقاتِ الدوليةِ ليجعلاني أحبَّ الكرةَ الأرضيةَ بكلِّ تفاصيلها ، في الوقتِ الذي لا أعرفُ أين هما الآنَ بعدَ أربعةِ عقود؟ وهل لايزالان معنا على كوكبِ الأرضِ أم غادراه بعد أن تطوَّرَ رسمُ الخرائطِ واختفى كثيرٌ من ألواحِ الورقِ الأبيض؟ أمَّا الأستاذُ الأديبُ محمد العقيد فقد أمتعني وزملائي بشرحِ الأدبِ السعودي في السنةِ الثالثةِ بالمعهدِ ويجذبنا نحو قصةَ ثمنِ التضحيةِ للأديبِ الرمزِ حامد دمنهوري يرحمه الله، ويستعرضُ أبرزَ رموزِ الشعرِ والسردِ بدايةً من نشأةِ الأدبِ السعودي، كان يملكُ عذوبةً في السردِ وبيانًا في الإيضاحِ وكأنَّه عاشَ في المجتمعِ السعوديِّ والأدبيِّ على وجهِ التحديدِ فأحببتُ الأدبَ وتَخصَّصْتُ في لغتِه ولم يُفلحْ رَسْمي لخرائطِ العالمِ في أن أتخصَّصَ في جغرافيته، لقد همتْ عليَّ تلك الخواطرُ من قريبٍ بعد أن التقيتُ مؤخرًا الدكتورةَ الطبيبةَ (نسرين) القادمةَ من السودان للعملِ بمستشفى الملك فهد المركزي بجازان ، هذه الطبيبةُ امتدادٌ لجيلِ الناسِ الطيبين المبدعين الذين أثْرَوْا الجغرافيةَ العربيةَ بكلِّ أشكالِ الثقافةِ والمعرفةِ عبرَ الطبِّ والتعليمِ والزراعةِ والإعلامِ وسائرِ الفنون، وقبلَ أن أختمَ لابدَّ أن أشيرَ إلى صاحبِ الخطِّ الجميلِ الأستاذ بدر الدين وأستاذي الذي علَّمني القصصَ باللغةِ الانجليزيةِ الأستاذ الخلوق/ عبدالرحمن محمد، والقائمةُ تطولُ بالأسماءِ السودانيةِ فهي تجري جرَيانَ النيلِ على أرضِ الأصالة .

مقالات ذات صلة

إغلاق