المقالات

محاكم بلا بينات ولا شهود

 

بات من الصعب السيطرة على محكمة القضاء الافتراضية والافترائية، التي تشكلت على مواقع التواصل الاجتماعي، من مظاهر التنمر على الأشخاص والمجموعات، والحكم على الأشخاص بكل أنواع العقاب المعنوي، والتدمير النفسي، والسخرية المبالغ فيها، لأسباب عديدة، لا ترتقي لحجم الجرم المفترض الذي ارتكبه الشخص، أو الحدث الذي سلط عليه الضوء الساطع، رغم حاجته لضوء خافت كي يمر بسلام باعتباره حدث عادي.

برزت في مجتمعاتنا ظاهرة التنمر بشكل جلي، لدرجة أصبح الفرد محاط بجيش مخيف من المراقبين، يرصدون زلاته وعثراته، وأي خطأ يرتكبه، يصبح وجبةََ دسمة يتناولها الجميع، بكل أصناف الكلام المحبط والمهين، حيث يصبح كأنه المتهم الذي ثبت جرمه بحكم رواد المواقع، وعليه أن ينال أبشع أنواع العقاب.

في عالم مواقع التواصل يتحول الجميع إلى قضاة يصدرون الأحكام بكبسة زر، ويشعلون عواصف إلكترونية تستهدف الأفراد أو الجماعات بشتى أنواع أسلحة الدمار النفسي والمعنوي، تضع الهدف في قفص الإتهام، دون الرجوع لشهود، أو عقد محكمة عادلة، توضح حيثيات الحدث، أو حتى صحة مصدر الخبر.

وتكثر الأمثلة على الكثير من الأشخاص الذين تم تنغيص حياتهم، بعد أن تشكلت ضدهم بؤرة عميقة للتنمر والتهجم عليهم بسبب رأي أو موقف معين، وتناولهم كمادة دسمة للنقد والجلد، وترويج الشائعات والأقاويل حولهم، دون البحث عن الحقيقة أو التأني بالحكم حتى تظهر أدلة البراءة والحقيقة، كأنهم فرائس ينهش منها الجميع.

نحن الآن بأمس الحاجة لضبط مواقع التواصل واستغلالها لتبادل الفكر والثقافة، والاستفادة منها لتطوير أنفسنا، ومواكبة متطلبات العصر، وترك تناقل الأخبار للمصادر المختصة بذلك، وأن يكون تعاملنا معها على أساس أخلاقي وإنساني بحت، لأننا بشر حقيقيين ولسنا مجرد أرقام ورموز، نتأثر بكبسة الزر المدمرة تلك، والتي يظن مستخدموها أنها تنتقل في هذا العالم الافتراضي دون حسيب أو رقيب، ولا يعرفون إنها مدمرة للطرف المتلقي، وربما يدفع ثمناََ باهضاََ مقابل كبسة زر.

بقلم
د. انتصار الزيود

 

مقالات ذات صلة

إغلاق