المقالات

التعاون التعليمي بين الهند والمملكة العربية السعودية

 

ما زالت الهند مركزًا للتعلم منذ الأزمنة القديمة. وقد أنتجت الهند العديد من العلماء البارزين بمن فيهم أريابهاتا وبانيني وباتانجالي وغارغي وتشاركا وسوشروتا. كانت الهند القديمة مركزًا مزدهرًا للتعليم العالي، حيث كانت فيها معاهد عديدة معترف بها عالميًا مثل جامعات نالاندا وأجين وفيكرامشيلا.
قد كانت الثقافة والفلسفات والفنون والهندسة المعمارية الهندية وممارساتها التعليمية مصدر جذب آلاف من الرحالة من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم المؤرخ العربي المسعودي والكاتب اليوناني ميغاستهينيس والباحثان الصينيان آي تشنغ وشوان زانغ والباحث الشرق الأوسطي البيروني و الرحالة الأوروبي ماركو بولو. تقدم النصوص التاريخية وكذلك كتب الرحلات والكتب التي كتبها هؤلاء العلماء شهادة على مجد الهند القديمة كمركز لاكتساب المعرفة.

و في الوقت الحالي أيضاً، تتمتع الهند بسمعة طيبة في تقديم تعليم جيد. الهنود يقومون بإدارة المناصب العليا في مختلف القطاعات، في جميع أنحاء العالم. إنهم يعملون كرؤساء لشركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة ومديريين للمؤسسات التعليمية الرائدة (بما في ذلك هارفارد)، وصناعين معروفين ، ورجال أعمال بارزين، ومسؤولين في مؤسسات عالمية (مثل صندوق النقد الدولي) وسياسيين في المكاتب العليا في العديد من البلاد.

ويوجد اليوم 1043 جامعة و 42343 كلية و 11779 معهدا قائمة بذاته في الهند ضمن هذه المعاهد، هناك معاهد ذات أهمية وطنية مثل المعاهد الهندية للتكنولوجيا (IIT) والمعاهد الوطنية للتكنولوجيا (NIT) والمعاهد الهندية للإدارة (IIM) معاهد عموم الهند للعلوم الطبية (AIIMS) وجامعة جواهر لعل نهرو (JNU) وجامعة مومباي وجامعة دلهي. وفي التصنيف العالمي​للجامعات(QS)في عام 2021م، جاء 12 معهدًا هندياً في قائمة أفضل 100 جامعة وهو بمثابة اعتراف بالمعاهد الهندية على المستوى العالمي. علاوة على ذلك، هناك العديد من منظمات الأبحاث الكبرى في الهند مثل منظمة البحث والتطوير الدفاعية(DRDO) و منظمة البحث الفضائي الهندي (ISRO) ومجلس البحوث العلمية والصناعية(CSIR) ومركز بهابها للبحوث الذرية(BARC). تشكل مراكز التميز المشهورة هذه العائد الديموغرافي للهند مما يجعلها العمود الفقري للعالم.

هذا، ومن أجل مشاركة فوائد معاهد التميز هذه، تقوم الهند، وانطلاقاً من فلسفتها القديمة “العالم عبارة عن أسرة واحدة” (World is one family)) بتأسيس شراكات تنموية مع العديد من الدول الشريكة من خلال المنح التعليمية ومجموعة واسعة من برامج بناء القدرات في إطار مبادرة التعاون التقني والاقتصادي الهندية (ITEC).
وهو برنامج قائم على الطلب وموجه نحو الاستجابة والذي يركز على تلبية احتياجات البلاد النامية من خلال التعاون التكنولوجي المبتكر بين الهند والدول الشريكة والمنظمات الإقليمية. وفي إطار ITEC ، تستفيد أكثر من 160 دولة في قارة آسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وكذلك دول المحيط الهادئ والجزر الصغيرة من التجربة التنموية الهندية.

هذا التعاون التعليمي الدولي للهند أطلق عليها عنوان “مزود للمعرفة الفنية والخبرة وفرص للتدريب”.

وإلى جانب ذلك تم تشكيل سياسة التعليم الجديدة (NEP-2020) في الهند لتعزيز التعاون التعليمي مع المعاهد الأجنبية، وهذه السياسة تركز على توفير الفرص تبادل البرامج والتدريب التربوي والدورات المعقولة وذات التوجه التطبيقي.

ونتيجة لذلك، عززت المعاهد التعليمية بالهند شراكاتها مع الجامعات الدولية لزيادة أوجه التآزر بينها.
ومن هذا المنطلق أن الهند والمملكة العربية السعودية بينهما مشاركة قوية في قطاع التعليم. هناك حوالي 40 مدرسة هندية تعمل حاليًا في المملكة العربية السعودية، وبعضها يعد من بين المدارس الكبرى في قارة آسيا،وبالإضافة إلى ذلك، يعمل الآلاف من الأساتذة الهنود في الجامعات السعودية منذ عقود كثيرة، والذين يشكلون جسرًامتأصلاً للأخويات الأكاديمية في كلا البلدين.

أطلقت السفارة الهندية مؤخرًا منتدى التعليم الهندي؛ لدعم جهود هؤلاء الأكاديميين، من أجل تعزيز المشاركة الثنائية في مجال التعليم العالي.

قامت الهند والمملكة العربية السعودية بالتوقيع على مذكرة تفاهم حول التعاون التعليمي في عام 2006، وهذا القطاع أيضاً يندرج ضمن إطار مجلس الشراكة الاستراتيجي.

وإلى جانب ذلك يدرس كثير من الطلاب السعوديين الآن في الهند من خلال البرامج الحكومية، مثل الدراسة في الهند(Study in India)، وكذلك على أساس خاص، حيث توفر الهند خيارًا فعالاً من حيث التكلفة لمتابعة الدراسات العليا، لا سيما في العلوم والتكنولوجيا والهندسة ودورات الإدارة (STEM) كذلك أبدى الطلاب الهنود اهتمامًا كبيرًا بالدراسة في الجامعات السعودية. في هذا الصدد، تقدم الجهات السعودية أكثر من 400 منحة دراسية للطلاب الهنود، وفي الواقع يستفيد كل من الطلاب الهنود والطلاب السعوديين من هذا التعاون بشكل كبير.

على الرغم من أن كلا البلدين قد قطعتا شوطًا طويلاً في إقامة علاقاتهما الأكاديمية، إلا أن قطاع التعليم لا يزال يوفر إمكانات هائلة للمزيد من التعاون، وفي شهر سبتمبر من هذا العام، تحتفل الهند والدول الشريكة لها بالتعاون التعليمي بينها كجزء من احتفالات آزادي كا أمريت مهوتساف (مهرجان الاحتفال بمرور 75 عامًا على استقلال الهند). وفي ضوء هذه الخلفية، يعد اليوم الوطني الــ91 للمملكة العربية السعودية مناسبة ميمونة للمراجعة والعمل على تعزيز تعاوننا التعليمي الثنائي من أجل تمكين الأجيال الحاضرة والمقبلة.

ريتو ياداف
سكرتير ثاني(شؤون صحافة وإعلام وثقاقة وتعليم)
سفارة جمهورية الهند
الرياض

 

مقالات ذات صلة

إغلاق