المقالات

التفاؤل

د/علي بن مفرح الشعواني …

إن التفاؤل مطلب لكي نعيش بأمان وطمأنينة، وكلما زاد الإيمان بالله عزوجل كان الإنسان أكثر تفاؤلًا ورضى وطمأنينة .

أول كلمة في القرآن الكريم (بسم الله الرحمن الرحيم) يعني استعانة بالله .
والاستعانة بالله هي عنوان التفاؤل، فأنا بعون الله أستطيع أرد كل ميدان وأن افعل كل شيء يرضي الله ويكون متسقًا مع شرعه.
أول كلمة في سورة الفاتحة (الحمد لله) كلام في غاية الروعة والجمال! الحمد لله على نعمه! أتذكر نعم الله علي في سمعي وفي بصري، أتذكر نعم الله علي في عقلي وفي فكري، أتذكر نعم الله علي في مجتمعي وأسرتي، أتذكر نعم الله علي في ديني، أتذكر نعم الله عليّ في أصل خلقتي، أتذكر نعم الله عليّ في هذا الهواء وهذا الماء وهذه السماء وهذه الأرض فأقول الحمد لله. لما تنظر إلى الحياة بعين (الحمد لله) ستجد أن الحياة حلوة. القرآن كله يدعو الناس إلى العمل والتفاؤل والرضى والطمأنينة..

وكذلك وردت معاني التفاؤل في كتاب الله عزوجل كثيرًا
فقوله -عز وجل-: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرً}سورة الطلاق اية 2
فكلمتي عسى ولعل، ذُكرت في القرآن الكريم بهدف طمأنة القلب وبثّ روح السرور واليسر، وخلق الأمل والطموح كي يسعى الإنسان للحياة التي يتمنّاها، وقد ورد في كتابه -جل وعلا-: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}سورة المائدة اية 52
وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}سورة ال عمران اية 26
فهذه الصفات الـ5 التي اتصف بها الله -جل وعلا- فهو أهل من ندعوه ونرجوه بها، وأن نطلب منه كل ما نتوق إليه بقولنا: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}.
ورد في كتابنا العظيم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.سورة الحجرات اية 17
فقد ميزَّ الله -عز وجل المسلمين عن غيرهم بعدة أمور؛ كاليقين والإيمان والبصيرة، ومنَّ الله عليهم بهذه الصفات الداعمة لهم طوال رحلة حياتهم. قوله تعالى: {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ} سورة المرسلات اية 12-14
فكل من قام بمظلمة يخبره الله بأن يستعد لينال جزاءه في يوم القيامة؛ وهو الوعيد له، وقد قال -عز وجل-: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} سورة النبأ اية 17
فيوم الفصل هو طمأنينة للمظلوم في الدنيا، وما يصبره ويهون عليه أذى الظلم والاستداد الذي وقع عليه. قوله -عز وجل- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ}سورة ال عمران اية 200
وفي هذه الآية يخبرنا -جل وعلا- أنّ المسلم المتصف بهذه الصفات المذكورة في الآية الكريمة سيفلح بإذنه، إذ يكمل قوله بعدها: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
وكذلك في أول 10 آيات من سورة العنكبوت التي يحدّثنا بها الله تعالى عن الفتن،
وعن أهمية التفريق والتمييز بين الكاذب والصادق، ويخبرنا بفناء هذه الدنيا مهما قد بَدَتْ للعباد بأنها عظيمة ، وأنّها لا تساوي شيئًا عنده، فقد قال عز وجل في بعض هذه الآيات: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت اية 2
وقد شبه الدنيا ببيت العنكبوت الخفيف، وأن الذين كفروا به مهما بدوا أقوياء وأظهروا سيطرتهم في الدنيا فهم أضعف من هذا البيت الواهي؛ إذ قال في كتابه: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}سورة العنكبوت اية 41
وفي هذه الآيات حكمة من الله بأن يخبر المسلمين أن يأمنوا من فتن الدنيا، وأن يقفوا صامدين أمام الحق. أمّا ليصل العبد لتقوى القلب فقد يتطلب منه أن يُبجل آيات القرآن الكريم ويقدس ما جاء به؛ فقد قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}سورة الحج أية 32
ويبقى حب الله وحده علاجًا للآلام النفسية، وجلاءًا للأحزان والهموم على اختلاف العباد بصفاتهم وبصورهم، وعلى الرغم من تميز الله لخلقه إلا أن العباد يزدادون جمالًا ورقيًّا بأخلاقهم عند اتباعهم لأحكام القرآن والسنة، فقد قال تعالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُم}سورة الروم آية 22
وفي هذه الآية طمأنينة للعبد بأنه مختلف عن غيره من اخوته المسلمين وأن الله خلق به ما سيثمر به ويميزه عن عمل غيره. كي يُخلق التسامح والألفة في قلب المؤمن المكسور من أخطاء الناس وأذيتهم له، فقد أخبر الله تعالى بحبه لمن يعفو ويكظم الغيظ عند مقدرته، فقد قال -جل وعلا-: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}سورة ال عمران اية 134.

وحقيقة أننا اذا قمنا علميًا بالتوفيق بين التعاليم الربانية والتوجيهات النبوية مع العلم الحديث نستطيع ان نخرج بمخرجات إيجابية متفائلة وتساعد كثيرًا في تنمية الذات وتطوير القدرات وتكامل وترابط المجتمعات .
ومن النظريات العلمية الحديثة في ذلك نظرية التفاؤل المكتسب هو مفهوم ابتكره مارتن سليجمان ، الأب المؤسس لعلم النفس الإيجابي ، والذي يجادل بأنه يمكننا تنمية منظور إيجابي ، ويعرف التفاؤل المكتسب مارتن سليجمان على أنه يمكننا تغيير موقفنا وسلوكياتنا ، من خلال التعرف على حديثنا الذاتي السلبي وتحديه ، من بين أشياء أخرى ، وهو أيضًا عنوان كتابه المشهور عن نفسه ، والذي يتعمق في هذه النظرية.
حيث يكون الهدف هو تحفيز التغيير من التركيز والانشغال بإصلاح أسوأ الأشياء في الحياة لبناء الصفات الإيجابية وتنميتها وبالتالي التفاؤل والأمل..
والتي تنعكس على حياة الافراد والمجتمعات بالراحة والتناغم الاجتماعي بعيدًا عن الإشكاليات النفسية المختلفة ..
وبالتالي صناعة وبناء مجتمع متفائل ومتفاعل وناجح ومتطور وإيجابي..

وختامًا نقول تفاءلوا بالخير تجدوه، وهذا الأثر الشهير ليس حديثا صحيحا عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولكن معناه صحيح كما ورد عنه أنه كان يحب الفال ويكره الطيرة..
ودمتم بود..

 

مقالات ذات صلة

إغلاق