المقالات
الهدًّاف
محمد الرياني
كنتُ أحبُّ أن ألعبَ كرةَ القدمِ ولكنني لا أذهبُ إلى الملعب؛ فأنا أخافُ على قدميَّ من ركلِ بعضِ اللاعبين الشرسين أصحابِ السيقانِ اليابسةِ في الملعب، في العصر أرتدي جزمتي السوداءَ المخططةَ التي اشترتْها والدتي وأغطّي قدميَّ وساقيَّ بالشرابِ الخضراء؛ فأنا أفضُّلُ هذا اللونَ عن غيره، أمي كانت تنهاني عن قَذفِ رؤوسِ الجيرانِ خاصةً كبار السنِ وعجائزَ الحارة، وتعيبُ عليَّ بقائي في البيتِ وعدمَ ممارسةِ اللعبِ مع أبناءِ الحيِّ أو في الملعبِ الذي يكثرُ فيه الشبابُ عصرًا، أكثرُ الذين أصبتُ رؤوسَهم هي جدتي سعدى، مشكلتُها في خروجها المتكررِ لتتفقدَ جاراتِها كبيراتِ السنِّ مثلها وقتَ اعتدالِ الجو، لكنها تصادفُ خروجَ الكرةِ من الدارِ لتصطدمَ برأسِها الضعيف، آخرُ مرةٍ قذفتُ فيه الكرةَ تعددتِ الشكاوى، طارَ دجاجُ الجيرانِ خوفًا من كثرةِ ركلِ الكرةِ نحوَه؛ الدجاجُ الجبانُ الذي يهربُ عند سماعِ الاصطدامِ بالجدران يدفع أصحابه للشكوى ، وازدادَ صوتُ الغنمِ والكرةُ تقع بين حُزمِ الأعلافِ فلا تهنأ بوجبةٍ خضراء وقتَ الجوع، أما جدتي سعدى فقد هوتْ مع آخرِ كرةٍ قذفتُها مع غروبِ الشمس، خرجتُ مع أمي نحوَها وهي تسترُ ركبتيها بعدما وقعتْ على الأرضِ بينما خصلاتُ شعرِها بين الترابِ وهي تدعو عليَّ وعلى أمي، أمسكتُ بذراعها لمساعدتِها على النهوضِ وهي لاتزال تنِّوعُ في شتْمي وأنا أضحك، سردَ لي ذلك صديقُ الطفولةِ وأنا أضحكُ على ساقيه النحيلتين اللتين يجرُّهما جرًّا نحوَ الشارعِ الصغيرِ الذي سقطتْ فيه سعدى، وضعتُ أمامَه كرةً جديدةً أحضرتُها ليقذفَها نحوي فسقطَ على الأرض، قلتُ له لو كانت جدتُك سعدى على قيدِ الحياةِ لضحكتْ عليكَ واستوفتْ منك، دمعتْ عيناه على أيامِ الصِّبا وعلى الكراتِ التي كان يخيفُ بها دجاجَ الحيِّ ورؤوسَ العجائز، همتْ عيني معه وساعدتُه للعودةِ إلى الدار ، دعاني إلى غرفةٍ عتيقةٍ ليخرجَ منها كرتَه القديمة، رأيتْها وقد نفدَ هواؤها ويبسَ جلدُها، هزَّ رأسَه أسفًا لأنَّ الكرةَ القديمةَ لن تستطيعَ فعلَ شيء، مضى عليها عمرٌ وهي على هذه الحال، تركته يتأمل ساقيه وهو يقلِّبُ مع كرتِه الذكريات.