المقالات
ربيع قرطبة
بقلم : د . ضيف الله مهدي
منذ أكثر من ربع قرن لم أتابع أي مسلسلات تلفزيونية ، سواء تاريخية أو اجتماعية أو غيرها ، اللهم إلا في قناة ذكريات السعودية تابعت الإعادة للمسلسل البدوي ( متعب الشقاوي ).
أرسل إلي أحد الأصدقاء يخبرني أن هناك مسلسلا تاريخيا بعنوان : ربيع قرطبة يعرض في قناة دراما التابعة للmbc ويحكي عن حياة الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر يرحمه الله ، البطل العربي المسلم ، ولكوني أحب هذا الرجل البطل الشجاع .. فقمت أتابع قناة دراما والمسلسل التاريخي ربيع قرطبة . محمد بن عامر من عامة الناس ، بل كان في بدايات حياته يعمل حمارا ، أي يحمل على الحمار للناس حاجاتهم وأشياءهم ويوصلها لبيوتهم نظير أجرة يدفعونها له .
غير أنه لم يرغب هذا العمل وهذه المهنة – وكانت نفسه تواقة للمعالي – فتركها وذهب لعاصمة الحضارة في كل شيء ( قرطبة ) وتعلم وعمل في الجيش ومنحه ذكاءه وشجاعته وإقدامه الاقتراب من الخليفة حتى أصبح أحد مرتادي قصر الخلافة وأحد المسؤولين الكبار . وتوفي الخليفة وخلف صبيا في سن العاشرة من عمره لا يصلح لخلافة ولا حكم ، وكان والده قد أخذ له البيعة في حياته ، وبعد وفاته نصبت أمه صبح محمد بن عامر وصيا عليه كي لا يأخذ بقية الأمويين الخلافة منه .
ووجد محمد الحاجب المنصور الأمور مهيأة له وساعده ذكاءه وشجاعته فأصبح الحاكم بعد عدة صراعات مع من حوله ، رغم وجود الخليفة .. وحكم بالعدل وأزال الكثير من المحرمات وأعاد للإسلام هيبته وقاد ٥٦ معركة ضد أعداء الإسلام من المسيحيين فانتصر فيها كلها وحمى الثغور من الهجمات وكان يجمع ما يعلق في ثيابه من تراب وغبار المعارك فيضعه في قارورة أو إناء ووصى بدفنه معه في قبره كي يكون شاهدا له عند الله . هذا البطل شوهت صورته كثيرا في مسلسل ( ربيع قرطبة ) فوصف بالعاشق الهائم بصبح أم الخليفة هشام الذي كان وصيا عليه ، ووصف بالغدر فقد أودى بحياة الكثير من معارضيه غدرا ، وهذا ليس صحيحا ، وأظهر مسلسل ربيع قرطبة الحاجب المنصور بأنه دموي وشكاك حتى إنه صور قتله لابنه أنه كان شاكا في بنوته وليس عاقا خارجا عليه واضعا يده في يد أحد أعداء الإسلام ضد والده والإسلام .
لم يظهر المسلسل معاركه التي انتصر فيها وبطولته وشجاعته وخوف أعداءه منه .
نعم في البدايات أظهر الممثلون السوريون ومن اشترك معهم من العرب الحاجب المنصور في صورة جيدة .. ولكن كما قلت لم يوفوه حقه بعد ذلك ، وشوهوا صورته وسيرته !.
ولذلك أطالب الكتاب والممثلون بعدم تشويه الشخصيات التاريخية التي سطرها التاريخ بمداد من ذهب .