المقالات

إلى بعض الأطباء السعوديين

 

بقلم : د . ضيف الله مهدي

أما قبل :
فإني أعتذر من زملائي الأطباء الذين جمعتني بهم مقاعد الدراسة ومدرسة درسنا فيها سويا ، وأكلنا وشربنا وذاكرنا في يوم ما سويا ، فأنا أعرفهم وهم من جيلي وعمري وهم ليسوا المعنيين بسطوري السليطة الآتية ، كذلك أعتذر من الأطباء الذين تربطني علاقة محبة وصداقة وحوار ونقاش .

أما بعد :

فإني أوجه نقدي للأطباء الطمّاعين الذين ودهم يلهفون كل الريالات والدراهم والدينارات والدولارات والجنيهات الموجودة على وجه الأرض . وأعني بالحديث أيضا أولئك الأطباء المتكبرون المغرورون الذين ينظرون للناس نظرة استحقار ودونية ولا كأن الذي خلقهم هو الذي خلق المرضى والمراجعين الذين يتعاملون معهم أسوأ معاملهم .

لا تظنون أيها المغرورون أنكم أفضل الناس وأنكم في أفضل المهن ، فلا توجد مهنة أفضل من مهنة ، فالسباك والكهربائي والحلاق وبائع السمك والحلبة واللحوم والفاكهة يحتاجهم الجميع وتكاد تكون زيارتهم لهم يومية أو شبه يومية ، أما زيارتهم لك فقد تكون مرة في السنة مرة أو مرتين وقد لا يزورنك في العمر إلا مرة واحدة . ولاعب كرة القدم أفضل منك في الراتب والشهرة ومحبة الناس له وكل الناس تذكره وكل وسائل الإعلام تذكره ، أما أنت أيها الطبيب فلا يذكرك إلا المريض وأهله ، ولا يشيد بك إلا المريض وأهله ، فهون على نفسك وتعامل مع الناس تعاملا طيبا وفق ما دعا الله إليه ودعا رسوله عليه الصلاة والسلام إليه .

تذكر أيها الطبيب أنه في يوم من الأيام حملك والدك إلى المدرسة وأنت تبكي وخائف وترتعد ودموعك تسيل وريقك على صدرك وثيابك بل ربما تبولت في ملابسك فاستقبلك معلم زرع فيك الثقة وعاملك معاملة طيبة وشجعك ونهض بك وعزز في نفسك كل ما هو إيجابي ، ونزع منك كل ما هو سلبي وعلمك الكتابة والقراءة وكنت من قبل لا تعرف شيئا ولا تفقه ولا تعرف حتى ماذا تقول !!

أخذ بيدك هذا المعلم وعلمك ونجحت وزانت أمورك وتعبدت الطرق أمامك وهكذا حتى أصبحت طبيبا ، فلولا الله الذي هيأ الأسباب ، ولولا هذه الدولة وحكومتها وقادتها الأبطال ، الذين بنوا لك المدارس والمعاهد والكليات والجامعات ، وطبعوا لك المقرار بعد التألف وأحضروا لك المعلمين وأمدوك بالمكافآت وصرفوا عليك حتى نجحت وابتعثوك لأرقى الجامعات في الداخل والخارج لتعود بالبوردات والزمالات والشهادات العالية ، عملت كل هذا لكي تعود فتخدم الوطن من خلال علاج المرضى من المواطنين من أبنائها والمقيمين على أرضها . لم يفعلوا كل ذلك لكي تعود متكبرا متغطرسا لا تتعامل تعاملا جيدا مع المرضى ، ولم يحرمونك من أن تعمل في المستشفيات الأهلية والخاصة لتكسب المال كما صرفوا لك الرواتب الضخمة .

بالله لولم تبن الدولة المدارس وتحضر المعلمين وتطبع المناهج وتوزعها مجانا وتبتعثك للداخل أو للخارج هل كنت بتكون طبيب استشاري أم بتكون في مهنة أخرى ربما تقمم في الطرق وربما في المزارع وغير ذلك .
لذلك تعامل مع الناس تعاملا طيبا وارفق بهم وابتعد عن الكسب الفاحش وتذكر أنه لولا المرض والمريض لكنت سادح في بيتكم ، فالله ابتلى المريض بالمرض وابتلاك بالمريض لينظر لتعاملك وفعلك مع هذا المريض الذي يرى فيك بعد ﺍﻟﻠَّﻪِ الحياة والعيش والاستمرار في هذه الدنيا . كما ابتلى الله الغني بالمال وابتلى الغني بالفقير .

مقالات ذات صلة

إغلاق