المقالات

غمضة

 

بقلم الكاتب : محمد الرياني

– على أحد العوازل الترابية ركز عصاه، نزع نعليه من قدميه وقد أحدث شراكهما أثرًا في ظاهرهما، استغرب أن السنةَ سنةَ جدبٍ وبعض الأراضي نابتة والخضرة تكسوها، حكَّ شعر رأسه وهو يشعر بأن الماء يُسرق على حين غفلة، جاءه أحدهما حافيًا وجلس إلى جواره، شكَّ في أمره بأنه من أولئك الذين يسرقون الكُحل من العين، دار حوار ضاحك يخالطه بعض المكر، يبدو أنهم أرسلوه ليتجسس عليه ويعرف سر جلوسه في هذا المكان، ربما التعب أنهكه من المشي وهم يظنون فيه انتهاكًا لخصوصيتهم، سأله عن سبب جلوسه هنا! ألا ترى آثار المشي عليّ وتشم رائحة العرق على جسمي ولباسي؟ هكذا أجابه، أراد أن يطمئنه بأنه ليس منهم، وأنه لايقر همجيتهم ومظاهر الاستفزاز عندهم، أنا لا أسرق الفناجين مثلهم، ولا أزرع الأرض بماء مسروق، أنا لا أشق الأرض لأغلق الطرقات، حالي مسكين مثلك، هم يسرقون الكحل من العيون التي أعياها التعب، اطمأن له وشعر بالارتياح، لأول مرة يشهد عليهم شاهد منهم، ردد في نفسه: يخرج الحي من الميت، هذا حي خرج من رحم الأموات، حالة من عدم التوازان انتابت العجوز وهو يمسك بعصاه المغروزة بجانبه، نام جالسًا وظهره على القائم الترابي ، بينما الآخر يتحدث إليه ليتأكد من نومه ويردد عليه الكلام للاطمئنان، نهض وهو ينظر في عينيه وقد استغرق في النوم، جرب لبس حذائه فوجدها على مقاسه، فرح بالأحذية الخضراء ، سحب العصا من الأرض وغادر المكان، حشرة زراعية صغيرة أرادت أن توقظه فقرصته ، حكّ جلد قدمه بيده اليمنى، صحا من غفوته فلم يجد محدثه بجانبه، أراد أن يتمسك بالعصا فلم يجدها، مد يده نحو حذائه فلم تكن في مكانها، فتح عينيه أكثر ليرى الحقيقة ، مرر أصبعه في عينيه، أراد أن يتأكد أن كحل أمه لايزال موجودا، قام يمشي حافيًا يتخبط حتى لا يفقد لباسه.

مقالات ذات صلة

إغلاق