المحليات
معالي الشيخ صالح بن حميد في خطبة الجمعة : رضا الناس غاية لاتدرك ،ورضا الله غاية لا تترك
فلا تشتغل بما لايدرك و تنصرف عما لايترك
مكة المكرمة – عمر الموسى
أمّ معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد المصلين اليوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر محرم الحالي في المسجد الحرام، واستهل معاليه خطبته بالصلاة والسلام على النبي والثناء والحمد لله عز وجل وقال: من صفا مع الله صافاه، ومن أوى إليه آواه، ومن فوَّض أمره إليه كفاه، ومن باع نفسه إلى ربه اشتراه، وجعل الجنة ثمنه ومأواه، حياة الإنسان في هذه الدنيا مراحل، وابن آدم فيها مقيم ثم راحل، كل نَفَس يدني من الأجل و يبعد عن الأمل، فالحازم من حاسب نفسه يوما بيوما، فعمل ما يرجو نفعه يوم المعاد، وبادر أيام صحتهِ وقوتهِ حتى يلقى ربهُ بخير زاد : { يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافية } .
وأضاف معاليه :معاشر المسلمين
: انقضى عام وبدأ عام، فالغبطة لمن حفظ الأيام والأوقات واشتغل بالباقيات الصالحات، والحسرة لمن فرط فلم يجن إلا الألم والحسرات، والحياة عام يتلوه عام، والعمر أيام تعقبها أيام، والناس ما بين شيخ واراه التراب، وطفل يبلغ سن الشباب، و ذلك كله زرع يُحصد، وأعمال تُحصى وتُعد، و أبلغ العظات النظر في أحوال الأموات
وقال معاليه :جبر الله قلب من فَقَد، وأمد على طاعته عمر من بقي، و شفى كل مريض، وجبر كل كسير، فالحمدلله حُبَّا ، والحمدلله شكرا، والحمدلله في السراء والضراء، والحمدلله على كل حال، و أكمل معاليه فقال: هذه وقفات مع عبارات وعظات صدرت من علماء، ونطق بها حكماء، لعل فيها عبرة، ووقفات محاسبة، والمسلم يستقبل عاما ويودع آخر .
وبين معاليه في خطبته :معاشر المسلمين : الدنيا بالبلاء محفوفة
وبالغدر موصوفة، وبالفناء معروفة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم أهلها، بينما هم في سرور وهناء، إذا هم في هم وبلاء، ترميهم بسهامها، وتقصفهم بحممها، كم رياض فيها زهرها عميم، فجاءها أمر الله فأصبحت كالهشيم ، تُسَرُّ يا عبدالله فترى الدنيا ضاحكة، وتكدر فتراها باكية، ولو تأملت لعلمت أنك أنت الضاحك الباكي، الدنيا لم تتغير، المتغير هو النفوس : في القلوب،وفي الأخلاق، وفي الأعمال .
واختتم معاليه الخطبة الاولى فقال: عواقب الأمور عن الخلق مغيَّبة، وإرادة الله هي الغالبة، ابن آدم مجهول الأمل، معلوم الأجل، محفوظ العمل،مكنون العلل، أسير جوعه، وصريع شبعه، تؤذيه البقَّة، وتقتله الشرقة، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرَّا، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً
رضا الناس غاية لاتدرك، ورضا الله غاية لا تترك، فلا تشتغل بما لايدرك وتنصرف عما لايترك.
يقول أهل العلم: ولقد حكم الله بحكمٍ قبل خلقه السموات والأرض: أنه ما أطاعه أحد إلا أعزَّه، وما عصاه أحد إلا أذلَّه، فالعزُّ مربوط بالطاعة، والذل مربوط بالمعصية
واستهل معاليه خطبته الثانية بعد حمد الله والثناء عليه فقال: القرآن الكريم حفظ عليك حياتك، وحقق لك سعادتك، وبيَّن لك وظيفتك: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، وضبط ألفاظك:{ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، وحدد مسيرك ومشيتك: { ولاتمش في الأرض مرحا إن الله لايحب كل مختال فخور}، و هذب صوتك: { واغضض من صوتك}، وحفظ مجلسك: {ولايغتب بعضكم بعضا }، وأصلح مأكلك ومشربك: { و كلوا واشربوا و لا تسرفوا } ، و جمع عليك ذلك كله : { ولاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفـؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا } و اختتم معاليه خطبته بموعظة الناس فقال: ألا فاتقوا الله رحمكم الله،فمن أراد أن يعرف مسؤوليُته وطريق نجاته فليتأمل هذه الآيات: يقول عزَّ شأنه : { من أبصر فلنفسه ، و من عمي فعليها } ، { من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها } ، { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها } ، { ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء } ، ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه } هذه هي الحقيقية وهذه حدود المسؤولية
: { كل امرئ بما كسب رهين } ، { كل نفس بما كسبت رهينة } .
ولن تعذر بتقصير الآخرين، ولا بانحراف المنحرفين، ولا بخذلان المخذلين