المحليات
آل التويجري و العقيلي صبرًا
بقلم / غادة ناجي طنطاوي
قال تعالى في كتابه الكريم: “هو الذي خلقَ الموتَ و الحياةَ ليبلوَكم أيُّكم أحسنُ عملاً وهو العزيزُ الغفورُ”.
الموتُ.. كلمةٌ صغيرةٌ من ثلاثةِ أحرفٍ، تقشعرُّ لهولِها الأبدانُ، توقِظُ الرُّعبَ و تثيرُ الهلَعَ في قلوبِنا.. ما ذُكرت عندَ جليلٍ إلا و حقَّرته، وما قورِنت بعظيمٍ إلا و أذلتهُ، تثيرُ حالةً من الرعبِ في قلوبِنا و تَرتَعِدُ الفرائصُ عند ذكرِها، مخيفةٌ، غامضةٌ و ثقيلةٌ ليس فقط على النفسِ الإنسانيةِ بل حتَّى على الحيوانِ مَهمَا كانَ جبروتُه.. إذا شعرَ الأسدُ بدُنوِّ أجلِهِ فإنهُ يَهجرُ القطيعَ إلى مكانٍ بعيدٍ ليلقَى حتفَهُ هناك، أما نحنُ البشرَ فلا نملكُ من أمرِنا رَشَدا.. ننتظِرُ رحمةَ الخالقِ و نرجو عَفوَهُ عندما تحينُ ساعةُ الأجلِ.
بالأمسِ -أجاركُمُ الله- فقدَت صديقتِي اثنينِ من أولادِها في حادثِ سيرٍ مروعٍ في الولايات المتحدة الأمريكية.. شابينِ في مُقتَبلِ العمرِ، أكبرُهُم في العشرينَ و الآخرُ لم يُتمَّ الثامنةَ عشَرَ من عُمرِهِ، في لحظةٍ كانوا سَويًا.. يدورُ بينَهم نقاشٌ عن أمورٍ متفرقةٍ في الحياةِ، أحلامِهِم، امانِيهِم، طموحاتِهِم و خِطَطِهِم المستقبليةِ، و بين طرفةِ عينٍ و انتباهتِها فُجِعَت بفقدِهم، بعدَ أن اصطَدَموا بشاحنةٍ مسرعةٍ اصابت الشابينِ في مقتلٍ ففارقا الحياةَ في التَّوِّ و اللحظة، فَقَدَت صَديقتِي الوعيَ.. و عِندَما استيقَظَت.. وجَدَت نفسَها مُلطخَةً بدمائِهِم بعد أن صَعَدَت روحاهما للبارِئ.
توَقَّفَ الزَّمنُ في عَينِ صديقتِي، لفَظَت أحلامَها مع آخرِ نَفَسٍ لولديها.. انتهَى فصلٌ من حياتِها و بَدأ فصلٌ جديدٌ تَسيرُ فيهِ بمفردِها حَاملةً معَهَا كلَّ الذِّكرياتِ.. ابتساماتِهم، دُموعَهم، نظراتِ الفرحِ التي عَلَت وجُوهَهَم و آخرَ مرةٍ وقَعَت عيناها على وجهِ كلٍّ مِنهُم.. رحمَ اللهُ مَلامِحَهم التي لن تغيبَ عَنِ البالِ، أصواتًهم اللتي سَنشتاقُ لِسماعِها و أجسادًا تحتَ الثَّرَى لن يفارِقَنا الحنينُ إليها أبدًا، رحمَكم اللهُ يا مَن أوجَعَنا فَقدُهُم و رحمَ اللهُ أمواتًا ما زالوا أحياءً في قلوبِنا..
حافظوا علَى كُلِّ دقيقةٍ تجمَعُكُم بِمن أحبَبتُم فَهُم راحِلون، وما أصعبَ أن تذكرَ اسمَ شخصٍ يسكُنُ قلبَكَ تتبعُه بكلمةِ رَحمَهُ اللهُ.
إلى الغالية سحر التويجري على روح الفقيدين، أحمد و فهد العقيلي.. اسأل الله العلي القدير ان يتغمدهم بواسع رحمته، يسكنهم الجنة، يجبر مصابها و يلهمها الصبر و السلوان.