المحليات
خطبة الجمعة في الحرمين : الخلاص في إخلاص النية وحب العلم
الوطن الان – مكة المكرمة
– الفضائل ليست بكثرة الأعمال لكن بكونها خالصة لله
– المؤمن الصادق يبذل الجهد في العمل ويكدح في الصالحات
– من أحبّ العلم أحاطت به فضائله وحلّت بساحته محاسنه
– من اعتاد التأخر والنوم عن وظيفته ومدرسته ضاع هدفه
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه .
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : إن عمل الإنسان مهما بلغ ومهما كان في الحسن والإتقان لا يؤهله بمجرده لدخول الجنة ولا يُنجيه من النار، وإنما ذلك كلُّه يحصل بمغفرة الله ورحمته لحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن ينجي أحدًا منكم عملُه، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيءٌ من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) وفي لفظ: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة). وخرجه أيضا من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يُدخل أحدَكم عملُه الجنة، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ) ، فهو أصلاُ عظيم وقاعدة جليلة .
وأوضح فضيلته أن الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم (لن يَدخل الجنةَ أحدٌ بعمله) وقوله عز وجل (ادخلوا الجنة بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أن دخول الجنة يكون برحمته تعالى، وأما انقسام منازلها وتفاوت درجاتها فيكون بحسب الأعمال؛ فمن كانت أعمالُه أكثرَ وأحسن، كانت منزلته في الجنة أعلى، وقال : كما لابد أن يُعلَم أن العمل وإن كان سببا لدخول الجنة فإنما هو من فضل الله ورحمته أيضا، فتحصل من ذلك أن الجنة والعمل من فضل الله ورحمته على عباده المؤمنين ولهذا يقول أهل الجنة عند دخولها: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ .. ) فلما اعترفوا لله بنعمته عليهم بالجنة وبأسبابها من الهداية، وحمدوا الله على ذلك كله جُوزُوا بأن نُودوا ( أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) فأضيف العمل إليهم وشُكروا عليه.
وبين الشيخ غزاوي أن مضاعفة الحسنات إنما هي من فضل الله عزّ وجلّ وإحسانه،حيث جازى بالحسنة عشرا ثم ضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، مشيرا إلى أنه على المؤمن أن يقطع المؤمن نظره عن عمله بالكلية ولا يعول عليه وإن كثر وحسن، وألَّا يتَّكِلَ على الطَّاعاتِ والعباداتِ الَّتي يَعمَلُها وعلى قَبولِها؛ فهذا ممَّا لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، وأن لا ينظر إلا إلى فضل الله ومنته عليه ، والحثُّ على الإسراعِ في عمَلِ الطَّاعاتِ والازديادِ مِنها، مع الخَوفِ والشَّفقةِ مِن اللهِ تعالى؛ فهؤلاء الصحابة الأخيار البررة الأطهار كان الخوف من سوء الخاتمة يُقِض مضاجعهم، والوجل من العقاب يملأ قلوبهم، والفزع من عدم القبول يزعج نفوسهم.
وأفاد فضيلته أن المؤمن الصادق يبذل الجهد في العمل ويكدح في الصالحات، ويَتَفانى في الطاعات ومع هذا فلا يُعجبُ بنفسه ولا يُدلي بعمله ولا يمن بما قدم؛ لعلمه أن الله تعالى هو الذي تفضل عليه بالتوفيق والإعانة وصرف الموانع والعوائق ، وأن يسعى في تحصيل كل عمل صالح مشروع يستطيعه، وألا يحتقر شيئا من المعروف، فما يدريه لعل عملا يسيرا يخلص فيه يكون سببا في مغفرة الله له ودخوله الجنة ، وأن على المؤمن الطالب للنجاة من النار والدخول للجنة أن يطلب ذلك بالأسباب الموصلة إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ورضاه ومحبته .
ولفت الشيخ غزاوي إلى أن الفضائل ليست بكثرة الأعمال البدنية، لكن بكونها خالصة لله عز وجلّ، صوابا موافقة للسنة ، وأن أفضل الناس من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية، وقال : إن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان ، كذلك مما يحسن التنبه له أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:( لن يدخل الجنةَ أحدٌ بعمله) لا يفهم منه أن العمل لا فائدة فيه أو أن يترك المرء العبادة، لا ، بل لا بد من العمل وله فائدة عظيمة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تُدخِل العاملَ الجنة فيكون المراد اعملوا واقصِدوا بعملكم الصواب أي اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة .
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن العمل مطلوب لا ينقطع العبد عنه مادام حياً، بل كلما إزداد العبد من طاعة الله، إزداد خيره وكماله ودرجته عند الله، إلا أنه مع ذلك كله لا يتكل على عمله في دخول الجنة، والحديث يفيد أن مجردَ السبب لا يوجب حصولَ المسبَّب؛ فإن المطر إذا نزل وبُذِر الحب، لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لا بد من الهواء والتراب، ولا بدَّ من صرْف الآفات المفسدة له فلا بد من تمامِ الشروط وزوال الموانع، وكلُّ ذلك بقضاءِ الله وقدره ،وكذلك أمر الآخرة ليس بمجردِ العمل ينال الإنسانُ السعادةَ، بل هو سبب؛ وإنما يحتاج العبد مع عمله إلى رحمة الله وفضله ليَدخل الجنة؛ فالعمل وإن عَظُم فإنه لا يستقل بنجاة العبد ولا يستحق به دخول الجنة، ولا النجاة من النار.
وأوضح فضيلته أن غاية السير يوصل المؤمن إلى ربه ومن لا يعرف الطريق إلى ربه ضل وحاد عن الجادة ، مشيراً إلى أن الطريق إلى الله هو سلوك صراطه المستقيم، الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه وأمر الخلق كلهم بسلوكه والسير فيه .
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : إن الوصول إلى الله نوعان: أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة. فأما الوصول الدنيوي فالمراد به: أن القلوب تصل إلى معرفته جل وعلا؛ فإذا عرفته أحبته وأَنست به، فوجدته منها قريبا ولدعائها مجيبا ، وأما الوصول الأخروي فالدخول إلى الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه على تفاوت في الدرجات.
وأكد الشيخ غزاوي أن من المسائل المهمة في السير إلى الله أن العبرة في الأعمال بخواتيمها وعواقبها، فما أجدر المؤمن أن يسأل ربه حسن الختام ويستعيذ به من سوء الخاتمة ويدعوه بأن يثبته على الدين حتى الممات مستشهدا بقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) .
أما في المدينة المنورة فتحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح بن محمد البدير عن أهمية العلم في حياة الفرد والمجتمع, وأهمية التنشئة الصالحة لجيل محبّ للعلم والتعلّم, لأن ذلك يورث علو الهمّة ومحاسن الخلق, ويفتح أبواب الرزق.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم إن السعي إلى المعالي والمكارم دأب المثابرين, وعادة المجدّين, والعلم هو الشرف الرفيع الذي يوقّر طالبه, ويحلّ في عيون صاحبه, ومن أحبّ العلم أحاطت به فضائله, وحلّت بساحته محاسنه.
وأضاف : لقد أطلّت السنة الدراسية الجديدة وقريباً تفتح المدارس والجامعات أبوابها, وتستقبل بالحبّ والترحيب طلابها, وتلك بعض الوصايا للطلبة والطالبات بهذه المناسبة الجليلة, فأيها الطالب عدّ إلى مقاعد العلم بالرغبة والانشراح والانبساط, والعزيمة والجدّ, وترفع عن خمول الضعة ومهانة النقص والتفريط والكسل.
ودعا فضيلته الطلاب والطالبات إلى التبكير والمبادرة إلى الحضور إلى المقار الدراسية, وعدم التأخر والتقهقر، مشيراً إلى أن التبكير بركة ورزق ونجاحاً وتوفيقاً, ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن صخر الغامدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ).
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي، أن بركة اليوم لاتتحقّق إلا بإدراك صلاة الفجر فهي نسيم اليوم وربيعه, داعياً إلى التصبّح والتحصّن بالأذكار والأوراد النبوية التي تضفي على الروح أنسا وعلى القلب فرحاً وعلى البدن قوة ونشاطاً وحرزاً وحفظاً.
وقال إن من أعطى نفسه حظها من الدعة والخمول واعتاد التأخر والنوم عن وظيفته ومدرسته وحصته الدراسية فقد ضاع هدفه, وعظم أسفه, ,من لزم الرقاد عدم المراد, ومن دام كسله خاب أمله, والمهمل الكسول يعيش شقياً ويظل مقصياً، لذا فإن من صبر ظفر, وبالصبر تفتح المغاليق وينزل التوفيق.
ولفت النظر إلى أن نوم الصبحة بعد صلاة الفجر مباح إلا إذا أدى إلى تضييع واجب, ونوم القيلولة وهي نوم الظهيرة مستحبٌ, لأنها يجدد نشاط الدماغ والبدن, وتعين على المذاكرة وأداء ما وجب بهمة وقوة ونشاط, لحديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قيّلوا فإن الشياطين لا تقيل) أخرجه أبو نعيم.
وحذر الشيخ صلاح البدير من السهر بوصفه جهد وثقل وآفة يفسد المزاج, ,يتعب القلب والجسد, فلا يصحّ أن يغالب المرء إغفاء عينيه, بل ينام أو الليل, فكم من واحد آذى والديه, أو أضاع وظيفته أو ترك دراسته أو أهمل أولاده وعائلته بسبب السهر المحرم المذموم مع رفقة السوء المغوية المضلة.
ونبّه إلى ضرورة الحرص على الآداب والنزاهة والطهارة واحترام المعلم والتزام النظام, والمحافظة على المقار التعليمية والمقررات الدراسية, وتقوى الله فهو سبحانه لا يخفى عليه ضمير, ولا يعزب عنه قطمير.
وحث الطالب على جعل العلم عدته, والأدب حليته وأن يكون أكمل الناس أدباً, وأشدّهم تواضعاً, وأكثرهم نزاهة وتديناً, وأقلّهم طيشاً وغضباً, وأن يصاحب الأخيار ويبعد عن الأشرار ولا يقربهم ولا يأمنهم ولا يخالطهم ولا يجالسهم, وأن يسعى للعلم سعيه الذي حقّ ويليق به, والبعد عن الضجر والملل والسآمة والعجز والانقطاع, ومجالسة أهل الدنايا والكسالى, وشرّ من لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً, داعياً الآباء والأولياء إلى تنشئة الجيل على محاسن الآداب.
وشدّد فضيلته على ضرورة الحرص على المداومة على النظر في الكتب ومطالعتها والبحث والقراءة والتقييد والمذاكرة والمدارسة والحفظ, والتأني والتمهّل والرزانة, محذراً من الإعجال في السير والتهوّر والخفة والطيش الذي يجلب الشرّ ويوقع في الندامة والحسرة, منبهاً من خطر استخدام الهاتف المحمول أثناء السير.
وأكد فضيلته أهمية إجلال المعلم واحترامه وتقديره, والتواضع له, ومعرفة فضل علمه وشكر جميل فعله وأن ذلك من مكارم الشيم, داعياً الطالب إلى التأدب في فضله ومع زملائه لأن ذلك توقيراً للعلم وأهله.