المحليات
فضيلة الشيخ صلاح البدير في خطبة الجمعة: الغضب بذر الندامة ومفتاح كل شر
جدة – ماهر عبدالوهاب
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف. وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته قائلًا: من محاسن الشيم وخصال الفضل والكرم كظم الغيظ ودفع الغضب والكظم: اجْتِراعُ الغَيْظِ وردّه في الجوف والإمساك عَنْ إبْدائه وإمضائه. واصفح عن الفظ الغَلِيظِ إِذا جَنى فأخـو المكارم مَن يُغَاظُ فَيَكظِمُ والكريم الكظيمُ الصَّفوح أثبت الناس عقلاً وأرجحهم أناة ونبلاً ولقد تجرع العقلاء الألباء الغَيْظَ لأنهم لم يروا جُرْعَةً أَحْلى منها عاقِبَةً ولا أَلذَّ مَغَبَّة، عَن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ما تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ مِن جَرْعَةِ غَيْظِ، يَكْظِمُها ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ تعالى» أخرجه أحمد. وعَنْ سَهْلِ بن مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيرَهُ في أَي الحور شَاءَ ” أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، قال معاوية رضي الله عنه:” ما وجدت لذة شيء ألذ عندي غبّا من غيظ أتجرعه، ومن سفه بالحلم أقمعه” وأكمل فضيلته: والغضب مهدمة والغضب غُول الأحلام والعقول وإذا جاء الغضب تسلط العطب والغضب بذر الندامة ومفتاح كل شر ومبدأ السيئات ومركب الخطيات وباعث العداوات ومذكي الخصومات والمنازعات والدافع إلى الكبائر والموبقات. ومن أطاع غضبه أضاع أدبه وسرعة الغضب من شيم الحمقى خفاف العقول وإذا غضب الأحمقُ ثَارَ ثَائِرُهُ، وَفَارَ فَائِرُهُ ولكز ولطم ورمح وجرح وانتفخ انتفاخ الضب الحرب وتمزع شققاً إن كلمته تنمّر وإن حركته تفجر وإن حاورته تسعر وإن خالفته تطاير شَرَارُهُ مِنَ الْغَضَبِ وتعالى وتكبّر وذلك دليل جهله وخفة عقله وضعف بصيرته وهذا شأن كل غُضْبٍ حَنِقٍ جهول عجول ترى القلوب منه نافرة، والنفوس له عن بغض أفعاله سافرة وليس الشديد الطائش العجول الذي يصرع أقرانه ويقهر إخوانه إنما الشديد الحليم الصفوح الذي لا يستفزه قيل ولا قال ولايستخفه السفهاء والجهال عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» متفق عليه، وعَنِ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟). قُلْنَا: الذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجالُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ. ولَكِنَّهُ الذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) رواه مسلم، وقَالَ الحَسَنُ: يا بْنَ آدَمَ كُلَّما غَضِبْتَ وثَبَتَ!! يُوشِكُ أَنْ تَثب وَثْبَةً فَتَقَعَ فِي النَّارِ. وأضاف فضيلته: والحلم محجزة عن الغيظ والحلم مطيّة وطيئة تبلّغ راكبها قاصية المجد وتملكه ناصية الحمد ومن رأى العفْوَ مَغْرما والغضب مَغْنَمًا فقد أساء التقدير لأن لذة الحلم والعَفْوِ أطْيَبُ مِن لَذَّةِ التَّشفّي، فلذةُ الحلم والعَفْو يَلْحَقُها حمد العاقبة، ولذه التشفي يلحقها ذم الندم، قيل لعمر بن الاهتم: من أشجع الناس؟ قال: من رد جهله حلمه. وَمِن ثَارَتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ الْغَضَبِ فَقَهَرَهَا بِحِلْمِهِ وغلبها بصبره وصرعها بثباته فقد قهر أقوى أعدائه وشرّ خصومه فاجتنبوا بواعث الغضب وأسبابه ولا تفرطوا في المزاح فإن المزاح مقدمة الغضب ولا تخرجوا من ترويح القُلُوب إلى تحريك الأحقاد الكمينة بالقذف والغيبة والاستهزاء فذلك استدراج مِن الشَّيْطانِ واخْتِداعٌ مِن الهوى. قال خالِدُ بن صَفْوانَ: يَصُكُ أَحَدُكُمْ صاحِبَهُ بِأَشَدَّ مِن الجَنْدَلِ، ويُنْشِقُهُ أَحْرَقَ مِن الْخَرْدَلِ، وَيُفْرِغُ عَلَيْهِ أحر من المرجل، ثُمَّ يَقُولُ: إِنّما كُنْتُ أَمازِحُك. والخصومة تمحق الدين وتنبت الشحناء في صدور الرجال فلا تقربوها واجتنبوا الهزُؤ والسُّخْرِيَةَ والتعيير والمماراة والمخاصَمَة والمجادلة والمضادة والمخالفة والمعانَدَة والظلم والغيبة والنَّمِيمَة والشتم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل ومنع الحق والبخس والتطفيف فإن تلك الأفعال تؤجج بين الناس شراً وحقداً وغضباً وإذا وقع الغضب جالت الفتنة وحضر الشيطان وعميت البصائر وتقطعت حبال الأخوة وأواصر المحبة والقرابة. وأهمدوا لهب الغضب والعداوات بالأناة والوقار والحلم وأطفئوا شرره بالتنزه عن المؤاخذة والمحاسبة وردّوا الغضب بالذكر وسكنوه بالصبر واقمعوه بالسكون والسكوت وفي السكوت إعراض عن السفه والطيش وتسكين للغضب وقطع للخصومة والساكت لا يكاد يندم والغضوب المخاصم الذي يزفر من الغضب وينفث من الغيظ وينفخ من الحنق وينطق بالسوء لا يكاد يسلم. عَنِ ابن عَبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: (إذا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ) قالَهَا ثَلاثَا رَواهُ أَحْمَدُ، قالَ مُؤَرِّقُ العِجْلِي : ما تَكَلَّمْتُ فِي الغَضَبِ بِكَلِمَةٍ نَدِمْتُ عَلِيهَا فِي الرّضا. وقالَ يَزِيدُ بْن أَبِي حَبِيبِ: إِنَّمَا غَضَبِي فِي نَعْلِي؛ فَإِذا سَمِعْتُ مَا أَكْرَهُ أَخَذْتُهُما وَمَشَيْتُ. وقالَ عُمَرُ بن الخَطَّابِ: إِذا سَمِعْتَ الكَلِمَةَ تُؤْذِيكَ؛ فَطَأْطِئ لَهَا رَأْسَكَ؛ حَتَّى تَتَخَطَّاكَ. وينبغي للزوجين إذا لاحت سحابة نزاع أمامهما أن يقطعا صوت المنازعة بالمسامحة ويحفظا طول العشرة بالمساهلة ولا يسترسلا في الجدال والخصومة. ومن اسْتَفَزَّتْهُ طَيرَة الغَضَب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الغَضَب من إغواء الشَّيطان فمن استعاذ بالله سكن غضبه وتحللت عقده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا غضب أحدكم فقال: أعوذ بالله، سكن غضبه ” أخرجه ابن عَدِي. واختتم فضيلته الخطبة بقوله: الوطن شجرة وارفة وارقة ثمرتها الأمن والطمأنينة والسكينة والاستقرار والمملكة العربية السعودية وطن الإسلام والسلام فيها مكة المكرمة المشرفة المعظمة المحرمة المبجلة أثَرُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وإرثه وَدَارُ نبينا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ووطنه والبلد الأمينُ الآمنُ المأْمُونُ عَلى ما أَوْدَعَ اللهُ تَعالى فِيهِ مِن مَعالم الدِّينِ وفيها الكعبة المحجوجة المصونة والمشعر الحرام وعرفات والعرصات المباركات وفيها المدينة المنورة بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع داره ومهاجره وموقع محرابه ومنبره و مكان قبره ومدفنه وفيها معالمه وأعلامه وآثار الآباء والأجداد وإرثهم وتراثهم وغراسهم وطن علت مفاخره ومآثره ومنائره وسمت مكارمه وفضائله وطن أسس على التقوى وعمر بالإسلام وحكم بالشريعة وزها بالعدل وعلا بالألفة وانتصر بالحق وبالعزمات الصحاح يشرق صباح الفلاح و من لم يقدمه عزمه أخره عجزه وقبل ثلاثة قرون أشرق على هذه الأرض المباركة حكم عادل على يد المؤسس الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى فقاد الناس بالتوحيد والعزم الأكيد والنظر الحديد من الحرب إلى السلم ومن الخوف إلى الأمن ومن الجهل إلى العلم ومن ذل التفرق والاختلاف إلى عز الوحدة والجماعة والائتلاف ثم سار في الحكم من بعده أبناؤه وأحفاده حتى قيض الله إمام المسلمين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود فظهرت في الحكم حكمته وفي الشورى نظرته وفي العدل قوته وفي العطاء رأفته ورحمته فكان من أعظم الملوك شهامة وصرامة وانقياداً للشرع رحمه الله تعالى وقد لاأفاض الله البركة على مملكته ورعيته ثم حمل الراية من بعده أبناؤه البررة الذين ساروا على نهجه حتى أضحت المملكة مضرب مثل في أمنها ووحدة صفّها وانتظام شملها واجتماع كلمتها وتلاحم قيادتها وشعبها |