السياسة
سريوي يكشف أسرار الحرب في أوكرانيا ويتحدث عن تطوراتها القادمة.
كتب: مسؤول اللجنة الإعلامية في نادي خريجي روسيا د. نسيم هاني
تحت عنوان: “الحرب في اوكرانيا وابرز تطوراتها وانعكاساتها المستقبلية على العالم”، نظّم “نادي خرّيجي الجامعات والمعاهد الروسيّة والناطقة باللغة الروسيّة” في لبنان محاضرة عبر تطبيق “زووم” عند الساعة الثامنة من مساء الإثنين ٢٩ / ٠٨ / ٢٠٢٢، ألقاها الخبير في قانون الحرب والوقاية من أسلحة الدمار الشامل، العقيد المتقاعد أكرم كمال سريوي.
قدّم الندوة وأدار الحوار فيها رئيس النادي د. مروان مصطفى وحضرها وشارك فيها عدد كبير من الزملاء الخرّيجين في لبنان وروسيا والعالم العربي.
استهلّ العقيد الندوة بالأسف لكون “القتال الدائر هناك هو قتالٌ بين أشقاء”، (الروس والاوكران) وتمنى أن تتوقف هذه الحرب بأسرع وقت ممكن ويعمُّ السلام.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن العقيد سريوي، درس لمدة أربع سنوات في الكليّة العسكريّة العليا في مدينة أوديسا (على البحر الأسود) خلال عهد الإتحاد السوفياتي السابق، وتخرج بتفوق، في اختصاص قيادية تكتية لوحدات المدرعات، وحاز على عدة أوسمة منها؛ وسام التفوق العسكري، ووسام الصداقة، ووسام ضابط من الدرجة الأولى، وتابع بعدها عدة دورات في لبنان وفرنسا والكويت، وتخصص في الوقاية من أسلحة الدمار الشامل، في الأكاديمية العسكرية الروسية في مدينة كوسترما، وهذا سمح له بالتعرّف عن كثب على طبيعة هذين الشعبين الودودين وعلى التطور العسكري في كلا البلدين.
بداية شرح العقيد مفاهيم الجيوش الشرقية والغربية، وترتيباتها وتشكيلاتها من أصغر وحدة عسكريّة الى أكبرها وأعلاها. ثم شرح وبشكل مفصّل وكخبير، مستندا الى الخرائط والصور والأرقام، طبيعة الحرب أو (العمليّة العسكريّة) الدائرة على الساحة الأوكرانية، وتكتيكات الجيشين الروسي والاوكراني، ونقاط قوّة وضعف كلّ منهما، في هذه المعارك، وعدد بالتفصيل الوحدات المشاركة، وتمركزها واتجاهات الهجوم الروسي . وكان العقيد سريوي قد “شارك في العديد من معارض الأسلحة، وفي عدد من المناورات العسكرية التي كانت تحصل في تلك المناطق، والتي يدور في بعض منها القتال حاليا”. الأمر الذي منحه معرفة واسعة في ميدان القتال ودقّة في التحليل والتقييم.
وتطرق العقيد المحاضر إلى هذه المعارك، وشرح تكتيكات الجيشين بشكل موضوعي، ولفت إلى أن الإعلام له دور كبير في الحروب، هو في أغلب الأحيان إعلام موجّه، ولا يمكن الإستناد أو الركون اليه في أخذ المعلومات الحقيقيّة والدقيقة، وهناك الكثير من الفيديوهات المفبركة والمزيّفة، وهناك تكتم شديد من الفريقين على الحجم الحقيقي للخسائر إضافة إلى المبالغة في تقدير خسائر العدو”.
أشار العقيد الى أن عدد الجنود الروس المشاركين في العملية العسكرية حتى الآن هو ١٩٥ ألف يضاف اليهم ١٢ ألف جندي من القوات الشيشانية، ويتوزعون على ثمان فرق قتالية ؛ الجيش الثامن من الجنوب والجيش الأول من جهة الشرق عبر الدونباس والجيش ٤١ من جهة الشمال باتجاه مدينة خاركوف، في حين أن لدى اوكرانيا بالأساس ٢٠٨ ألاف جندي بالإضافة الى كتائب رديفة (٥٠ كتيبة منها؛ أزوف، ودونيتسك ، وخاركوف، والراية السوداء، وأفنغارد، ومركز هذه الكتائب الرئيسي في مدينة دنبرو) إضافة إلى الفيلق الدولي، وجميعها تقاتل الى جانب الجيش، ليصل العدد مع التعبئة المعلنة، والمتطوعين، إلى أكثر من ٥٠٠ ألف جندي مقاتل. هذا التفوّق العددي لم يمنح النصر للأوكرانيين، لأن روسيا تملك تفوقاً في نوعية الأسلحة، خاصة سلاح الجو، والبحرية، والصواريخ كما قال، لذلك بقي التفوّق الميداني لصالح القوات الروسيّة، بالرغم من الدعم المادي والعسكري الذي تحصل عليه اوكرانيا، من ما يقارب الخمسين دولة من اوروبا وغيرها من العالم، وفي مقدمتهم طبعاً الولايات المتحدة الأميركية، التي قدّمت لتاريخه دعما يقدّر بثمانية مليارات دولار، من أصل اربعين مليار موعودة، ستُقدّم للأوكران على مدى ثلاث سنوات.! وتابع إن الأوكران لم يحصلوا رغم كل هذا الدعم، على نوعيّة أسلحة تمكّنهم من تحقيق النصر، فما زالت الأسلحة المقدمة دفاعية فقط، لذلك نرى ان الروس هم من يسيطر في الميدان حتى الآن.
وأشار العقيد الى الصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي في قتال المدن، (وهو من أصعب أنواع القتال)، إذ لا يمكن كما قال، “احتلال دولة كأوكرانيا، مساحتها تعادل مساحة دولتين كسوريا والعراق، وفيها ما يقارب ال٤٠٠ مجمّع سكني كبير، ما بين مدينة وقرية كبيرة، فقط ب ١٩٠ الف جندي!”
توقّع الروس في بداية الهجوم أن الجيش الأوكراني لن يقاتل، ولذا قاموا بهجوم من عدة محاور على جبهة واسعة جداً، وبعدد قليل من القوات، وبعد أن لاقوا مقاومة عنيفة وإصرار أوكراني على الدفاع، قامو بتعديل خطة الهجوم، وتركيزه في مناطق الشرق، وتمكنوا بذلك من تأمين حماية أفضل لقواتهم، فخفّت الخسائر بين صفوفهم .
الإنتشار الواسع للقوات الروسية وتعرضّهم للخسائر، والمشاكل اللوجستية، وصعوبة تأمين الغطاء والحماية للقوات، هي من أبرز المعضلات التي واجهها الجيش الروسي، والتي اضطرته الى تجميع قوّاته، وتعديل خطة الهجوم واعادة التموضع، بعد أن وصل الى مشارف العاصمة كييف.
هذا بالإضافة الى صعوبات في القيادة والسيطرة وفقدان للمرونة اللازمة، حيث اعتمد الجيش الروسي المهاجم على المركزيّة في القتال، بخلاف الجيش الأوكراني المدافع بوحدات ومجموعات صغيرة، مزودة بصواريخ “جافلين” المضادة للدروع، وتحصن الأوكران داخل المدن، التي يعرفونها جيداً، وحصلوا على معلومات مفصّلة من الأمريكيين، عن تحركات القوات الروسية، كما أنها لم يعانوا من مشاكل لوجيستية كبيرة، بحيث كانت مراكز الإمداد والتموين موزّعة وقريبة من القوات.
وأشار سريوي إلى أننا في هذه الحرب “لم نشاهد، معارك جوية تقليدية بين الطائرات، ولا معارك بين الدبابات على الأرض، وتركّز القتال بشكل رئيسي في المدن”!
واليوم وبعد ستة أشهر تقريبا على بدء المعارك، واستحالة الحسم لأي من الفريقين، يرى العقيد أن الجيش الروسي يخطط لاستكمال هجومه، ويحشد في الشمال باتجاه خاركوف، ويعتمد حالياً على تكتيك القضم البطيء، وإنهاك الجيش الأوكراني، بوتيرة قصف نيران غزيرة بواسطة الطيران والمدفعية والصواريخ.
بالنهاية فإن الغلبة ستكون للأقوى عسكرياً وإقتصاديا، إذ “لا يمكن فصل الإقتصاد عن الحرب”. إن الأوروبيين، بدأوا يتلمسون “التدمير الإقتصادي” نتيجة فرضهم العقوبات على روسيا، والتي ارتدت عليهم بشكل سلبي وأثّرت على رفاهية شعوبهم، وبدأنا نشهد تصاعد المعارضة الشعبية للدعم العسكري والمالي المستمر لأوكرانيا في عدة دول. وبالتالي يراهن الروس على أن هذا الدعم سيتوقف قريباً، وعندها ستكون أوكرانيا مجبرة على القبول بالشروط الروسية.
يقول الخبير: “أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق معرفتي الشخصية به، لا ولن يقبل بالهزيمة في اوكرانيا مهما كلّف الأمر، وهو يخوض حرباً مصيريّة”. وهذا يعني أنه ماضٍ في هذه “العمليّة” حتى النهاية و وتحقيق أهدافه، ليس فقط في أوكرانيا، فهو يعتبرها مواجهة حاسمة ضد الأحادية القطبية الاميركية، التي حاولت السيطرة على قرارات هذا العالم. وان روسيا وعلى لسان قادتها لن تقبل بعد اليوم بالتفرّد الأمريكي.
وقد ذكّر الخبير المحاضر في معرض حديثه، بما قاله الرئيس بوتين للمؤتمرين في مؤتمر ميونخ، في العام ٢٠٠٧ بأن “قطب واحد يعني أن هناك سيد واحد للعالم، وشخص واحد يقرر ، وهذا أمر مرفوض”.
وتابع العقيد: “نحن أمام تشكُّل عالم جديد متعدد الأقطاب، وسيكون لروسيا دور كبير فيه، وكذلك للصين والهند وإيران.. وإن الإتحاد الأوروبي الهش سيتراجع دوره، وهو في طريقه إلى التفكك والزوال، وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد تمكّنت من إخراج حليفتها بريطانيا من هذا الاتحاد “.
وبخلاف ما يتوقع البعض فإن روسيا قوية اقتصاديا، ولم ولن تنهار بسبب العقوبات،، فهي تمتلك ما يقارب ٤٨،٧ تريليون متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل ربع المخزون العالمي، والذي لا يمكن لأوروبا استبداله أو الإستغناء عنه، لسهولة نقله إليها بواسطة الأنابيب، فقد استفادت روسيا من هذه الحرب بسبب غلاء اسعار الغاز عالمياً، لتصبح ثروتها، من الغاز تُقدّر اليوم بحوالي، ٢٠٠ ألف مليار دولار. وهي “تستطيع إذا ما أنفقت ألف مليار دولار سنوياً أن تصمد مئتي عام هذا طبعاً عدا الثروات الطبيعية الأخرى من نفط وذهب وحديد وزراعة وتطور صناعي”!!!
وختم سريوي بأن الروس لا ينوون إعادة الأراضي الأوكرانية التي سيطروا عليها، لا بل إنهم يخططون لتطوير الهجوم من الشمال والشرق للسيطرة على مدن خاركوف وكراماتورسك ودنيبروبتروفسك وزاباروجيا، وثم نحو نيكولايف ومدينة أوديسا.
وستتوقف الحرب عندما تقرر الولايات المتحدة الأمريكية ذلك، فهذا العالم يحكمه منطق القوة والمصلحة، ولا وجود للديمقراطية والعدالة وحكم الشعب، بل من يحكم العالم هم أفراد وحكماً ليسو من النخبة، بل من الطبقة الأوليغارشية، ولذلك ستنتهي الحرب بتوقيع هدنة وليس اتفاق سلام، لأنه لا يمكن لأي رئيس أوكراني التنازل عن أرض أوكرانية، وسيكون من الصعب الاستمرار في الحرب، التي ألحقت خسائر كبيرة بأوكرانيا، إلى ما لا نهاية، فرُحى الحرب تدور على أراض أوكرانيا، ولهذا فهي الخاسر الأكبر، وبات حجم المآسي والدمار يُشكّل كارثة حقيقية، ولذلك سنكون على الأرجح، أمام مشهد تقسيم أوكرانيا، بين شرقية وغربية.
ثم استكملت الندوة بفُتح باب الحوار والنقاش وأعطي الكلام الى المشارك، الدكتور في العلوم السياسية، الناشط والمحلل السياسي اللبناني البارز رشيد جنبلاط الذي أثنى في مداخلةٍ قصيرة قيّمة على القيمة العلمية لهذه الندوة والتي تضمنت معلومات وافية وقال: انها من أروع ما سمعت في التحليل الجيوسياسي والعسكري مع رأيه انه من حق روسيا الحفاظ على وضعها والخوف على مصالحها السياسية والاقتصادية كدولة عظمى ومنع اوكرانيا ولو بالتدخل العسكري التقرّب من الغرب والدخول في حلف الناتو..
ثم أعطي الكلام للدكتور مسلّم شعيتو، رئيس “المركز الثقافي الروسي العربي” في مدينة سانت بطرسبورغ، الذي قال: “انا أفتخر بأن سمعت هكذا محاضرة خالية من العواطف ومليئة بالتحاليل والأرقام، واعتبر أن المعلومات التي تضمنتها بمثابة وثيقة قيّمة مثبتة يمكن تداولها حيث يجب”. ومما قاله ايضاً، “إن ما يجري في أوكرانيا هو عملية عسكرية وليس حرباً، وهي مبررة تهدف الى ايقاف التمدد الغربي وحلف الناتو شرقاً باتجاه الحدود الروسية، كما تهدف الى منع اوكرانيا المحاذية لروسيا من استقدام وامتلاك اسلحة دمار شامل تشكل خطر على الأمن القومي الروسي..
وفي مداخلة قصيرة لنائب رئيس النادي الدكتور سامر حرب، شكر فيها المحاضر ونوّه بالمعلومات القيّمة التي وردت في سياقها وقال انا شخصيّا لا يمكن الّا ان اتعاطف مع روسيا، البلد الذي مكثت فيه لمدة ١١ سنة وتخرجت منها ولها أفضال عليّ كما على الكثيرين. وتابع ان منطق القوة هو ما يتحكم بعالم اليوم، وطرح على المحاضر سؤالا عمّا إذا كان لدى الروس قدرة بالاستيلاء على البحر الأسود كليا وبالتالي حرمان الاوكران من المدخل الى البحار؟ وقد رد المحاضر على ذلك بالقول ان من يملك ٦٢٥٠ رأساً نووياً يستطيع فعل اكثر من ذلك، لكنهم (الروس) لا يريدون أحداث دمار شامل! وتابع؛ الروس يقولون: “نحن جئنا لإنقاذ الروس من المتطرفين الآزوفيين. نحن اليوم نعتمد خطة انهاك الجيش الاوكراني وليس ابادته ولا نريد تدمير المدن. نحن لا نستخدم الاسلحة الفتاكة والمدمرة ولم نرى مشاركة لدبابات T90 ولا دبابات “آرمات”. فقط يحاول الروس انهاك الجيش الاوكراني والرهان على انهاك الأوروبيين فهذه الحرب مصيرية بالنسبة لروسيا ولكنها ليست كذلك بالنسبة لدول الغرب.
الدكتورة سلام بوصي سألت ما اذا كان الغرب ينوي استخدام السلاح النووي من خلال الاوكران؟ فاجاب بالنفي. وتابع سوف نكون في المستقبل امام مشهد تقسيم اوكرانيا الى دولتين (شرقية وغربية).
الدكتور مروان مصطفى علّق بدوره حول أحقية الشعوب بتقرير مصيرها وقال أن الأقليات الروسية في القرم والدونباس لهم الحق بتقرير مصيرهم والانفصال عن اوكرانيا التي، كما قال، يحكمها نظام عنصري وطائفي.. وتوقع ان يكون نهر الدنيبر هو الفاصل بين “اوكرانيا شرقية واوكرانيا غربية”.
ردّ المحاضر انه اذا ما اتخذ الروس حق الاقليات بالانفصال حجّةً فسوف ينعكس ذلك سلبا عليهم لأن في روسيا الكثير من الاقليات العرقية والاثنية وهي دولة متعددة القوميات وقد يطالبون لاحقاً بنفس الشيء، اي الإنفصال عن روسيا!
الدكتورة سمر حداد التي سألت حول مصير الغاز في لبنان.. علّقت بانه “لا يمكن لنا ان نكون الّا مع النصر لروسيا”.
وبدوره قدّم مسؤول العلاقات الخارجية في النادي، الدكتور رجا العلي، الشكر الى العقيد أكرم سريوي على الندوة القيّمة وإلى جميع المشاركين الذين تفاعلوا مع الموضوع. وأبدى رأياً مقتضباً بالحرب في اوكرانيا. ومن جملة ما قاله: “اعتقد أن للصهيونية العالمية يدٌ في ما يجري على الساحة الاوكرانية، وأن هناك أطماع اسرائيلية بأخذ القرم”.
ردّ سيادة العقيد بالقول، على أن لبنان واسرائيل عدوان وهناك تنافس على من يكون بوّابة الشرق الاوسط وهذا صراع طويل الأمد. وأن اميركا تريد تطويع لبنان ليكون بوابة لهم الى الشرق الأوسط!
* مسؤول اللجنة الإعلاميّة في “نادي خرّيجي الجامعات والمعاهد الروسيّة والناطقة باللغة الروسيّة” في لبنان
نسيم هاني