المقالات

قراءة في ديوان “عد للحياة” للشاعرة د. عبير زكريا،

 

بقلم الناقد الأستاذ/ فتحي محمد علي

 

إلى الباحثين عن كل هادف من القريض راق،وإلى المشككين في”قيمة الأدب في عصر العلم”؛إلى هؤلاء وهؤلاء نزف ذاكم الديوان الحافل بكل ثري.
إنه ديوان”عد للحياة”للدكتورة”عبير زكريا”؛ذاكم الديوان الذي زخر بأسمى المعاني وأسناها.
لقد ارتقت صاحبة الديوان مرتقى صعبا ناشدة النفع للبشرية على الصعيدين المعنوي والمادي؛فكان المدد على قدر النية؛فخرج الديوان في أبهى إصدار وأقيمه.
ومن عاشق للغة وآدابها متخصص فيهما على مايناهز نصف القرن وجدتني أطوِّف حول ذاكم الديوان القيم تطوافا عله يقترب من بعض مراميه التي لاتُحد.
لقد برعت شاعرتنا في جوانب عدة اعتبر النقاد غزوها ضربا من الصعب إن لم يكن من المستحيل_فأبهرتنا،فجاءت
نسيجا وحدها.
■مزايا انفردت بها الشاعرة:_
1_براعتها في المزج بين الفكر الفلسفي والبعد الوجداني بطريقة عبقرية مبهرة؛فكان ذلك إفحاما لمن ترتفع أصواتهم بتنحية الشعر الفلسفي جانبا من التجربة الشعريةحتى ولو كان شعر مشاهير مثل شعر العقاد الفلسفي؛ لكن النماذج الماتعة الملموسة بالديوان خير شاهد على تلك البراعة(ضدان_زمان العولمة).︎
2_براعتها في تناول مصطلحات وقضايا علمية كستها ثيابا أدبية قشيبة؛فتلاشى معها لدى المتلقي أدنى رتابة؛بل أخذت تلك المصطلحات إيقاعا جعلها تندرج تحت الموسيقى الداخلية(حمض نوويتفرط الإفراطمضاد الأكسدة).
3_خلق عوالم مبتكرة من المعاني؛فلم يعد الأمر لديها على نحو ماذهب إليه “الجاحظ”:”المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي؛وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ”،او على نحو ماذهب إليه”زهير”:
ماأرانا نقول إلا معارا أو معادا من قولنا مكرورا
بل جاءت جل موضوعاتها خلاصة فكر امتزج بوجدان نابض؛فكانت رسالة سامية من شاعرة أهمها ماآلت إليه
الأوضاع من تردٍّ(تلوثعد للحياةريانعبوديةأمة مستهلِكة).
■وعن الجوانب الفنية التي تُحمد للشاعرة:_
1_المفارقات المعنوية التي جاءت قاسما مشتركا لمعظم قصائد الديوان؛فكانت بمثابة الغيرة على بني الإنسان لانعطاف سبيله،ويحمل ذلك في طياته أمانة وهموم أديب أريب(بعض وبعضمعلميطوفان الورى_حيثما النور انطفأ).
2_اتساع دائرة الرمزية لديها؛فلم تعد محصورة في قالب لفظي؛بل شملت القصيدة شكلا وموضوعا؛ولاأدل على ذلك مما تعكسه قصيدة”أنا لاآكل الخبز”من إباء وشمم؛فتضاءل أمامها قول”عنترة”:
لاتسقني ماء الحياة بذلة بل اسقني بالعز كأس الحنظل.
3_توظيف الأساليب الإنشائية توظيفا واعيا؛فجاء الاستفهامعلى سبيل المثال”أو نهنأن بشدونا؟”
خير معبر عن الاستنكار،وكثر استخدام فعل الأمر الذي يحمل النصح الحاني.
4_الدقة في اختيار اللفظ مع سلامة اللغة مما يدل على التمكن منها.
■مايعكسه الديوان من جوانب شخصية راقية:_
1_عشق الأصالة (لمبة جاز_طعمية).
2_النزعة الصوفية المعتدلة(جنة قدسية).
3_الثقافة الدينية المتمثلة في شيوع التأثر بالقرآن والسنة بالديوان.
4_الشخصية العملية ذات الطابع المؤتمن والتي ينبئ عنها الحرص على الوصول إلى الهدف السامي دونما تطويل مفتعل في القصائد؛فجاء المعنى مساويا للفظ مع بلاغته.
5_تلاشي الذات في الديوان؛فإذا كانت شاعرتنا قد استنكرت في جل قصائدها تيه وصلف معظم بني الإنسان؛فإنها كانت خير نموذج حيث لم نلمح من قريب أو من بعيد نبرة تيه فيما قدمت؛فهي بهذا قد ارتقت،وحق لها أن ترتقي؛ولكأني بها مثالا متجسدا لقول الشاعر:”معروف الرصافي”:
وماإن فاز أكثرنا علوما ولكن فاز أسلمنا ضميرا
■وبعد فلم يزل بالديوان الكثير والكثير من أبعاد ادبية وإشراقات إنسانية تحتاج لمزيد من التجلية.
وختاما أقول:ملايين التهنئة للشاعرة المتميزة الدكتورة عبير زكريا وأضعاف أضعافها لدنيا الأدب.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق