أعد التقرير: عبد القادر عوض رضوان
يحتفل العالم في الخامس من ديسمبر كل عام باليوم العالمي للتطوع (IVD) الذي أقرته الأمم المتحدة منذ عام 1985م، للاحتفاء بالمتطوعين وبالعمل التطوعي الذي يمثل قيمة أخلاقية عليا تجسِّد معنى التضحية والعطاء من أجل الآخرين، وتسهم في التنمية الشاملة.
هذه الممارسة الإنسانية تحتاج الى وعي مجتمعي يكشف النقاب عن كُنهها وليصبح ثقافة في الوعي الجمعي من شأنها النهوض بالمجتمعات الإنسانية من خلال تقديم أعمال تنموية منظمة، أو خدمات مجتمعية متعددة تستفيد منها مختلف شرائح المجتمع سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
ويأتي احتفال المملكة بهذا اليوم للتركيزعلى مفهوم التطوع وجهوده ودوره في تعزيز قدرة المجتمعات على مواجهة التحديات الطارئة والكوارث الطبيعية والضغوط المعيشية، ناهيك عن أهميته في تعزيز مفاهيم التكاتف والتعاون الإنساني، ويأتي ذلك كله في وقت أصبحت فيه المملكة طرفاً فاعلاً في تفعيل جهود العمل التطوعي على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال إطلاق العديد من المبادرات التي تقدم خدمات متعددة في مختلف المجالات الإغاثية والصحية والتعليمية والبيئية والثقافية.
تجربة فريدة
هذه التجربة الفريدة للمملكة تستمد قوتها من رؤية المملكة 2030 التي جاء العمل التطوعي كأحد الأركان المحورية فيها، واضعة آفاقاً لمستهدفاته من خلال زيادة عدد المتطوعين ليصل الى مليون متطوع، عبر تخصيص مجموعة من البرامج في الرؤية التنموية لتطوير هذا القطاع التفاعلي من خلال نشر الوعي بأهمية تفعيل دور العمل التطوعي في المجتمع وتوفير البيئة المناسبة التي تُنمِّي العمل التطوعي وتستنهض همم المتطوعين وتذلل الصعاب أمامهم وتفتح آفاق عطاءاتهم ليقدموا خدمات مجتمعية ذات أثر مستدام مع التنوع فيها لتلامس العمل الميداني المنظم أو العمل المؤسسي الذي تقدمه مختلف المنظمات والقطاعات.
أدوار محورية
يقول معالي الدكتور سهيل بن حسن قاضي رئيس مجلس إدارة جمعية البر بجدة:
لقد جاء تركيز بلادنا على العمل التطوعي إيماناً منها بقيمته كونه رافداً من روافد التنمية، ولوجود منظومة من المراكز المتخصصة التي تعمل في شتى مجالات التطوع كالهلال الأحمر ومركز الملك سلمان الإغاثي، والجمعيات الأهلية ناهيك عن العديد من القطاعات الرسمية.
ولعل جهود بلادنا على المستوى الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الفقر والعناية بالتنمية المجتمعية وتحقيق الأمن الغذائي خير دليل على استشعارها المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لها تجاه دول العالم.
وعلى مستوى الداخل أطلقت المملكة خلال جائحة كورونا الصندوق المجتمعي المدعوم من وزارة الموارد البشرية برأسمال 500 مليون ريال لتفعيل المسؤولية الاجتماعية للقطاع غير الربحي ولمساندة الجهود الحكومية في التخفيف من آثار الجائحة. وقدم المتطوعون في مختلف مناطق المملكة أدواراً محورية لتفعيل هذا الصندوق ودعم الأسر الأكثر احتياجاً من الفقراء والمرضى والمسنين والايتام لتخطي هذه الأزمة، مترجمين واقعاً جديداً في ساحة العمل التطوعي الميداني، مستنفرين طاقاتهم في خدمة المجتمع.
وأضاف معاليه: لقد حرصت جمعية البر على استلهام الجهود الرسمية في دعم العمل التطوعي فكان تطوير هذا العمل والتوسع في أعداده ونشاطاته أحد مستهدفات الجمعية الرئيسية، فتوسعت الجمعية في هذا الجانب مكرسة جهودها لاستنهاض همم المتطوعين بوصفهم قيمة مضافة للعمل الاجتماعي وللمشروع التنموي في بلادنا، بما يدعم جهود الجمعية في تنفيذ برامجها الاجتماعية التي تخدم الاسر المحتاجة والايتام ومرضى الفشل الكلوي، وتدعم باقي القطاعات في خدمة المجتمع.
إنجازات ريادية
من جهته أثنى الأستاذ محمد سعيد أبو ملحة عضو مجلس إدارة جمعية البر بجدة رئيس نادي البر التطوعي على الأدوار الريادية التي يقوم بها المتطوعون، وقال: لقد كان لجمعية البر بجدة حضور قوي مع العمل المجتمعي عبر استلهام مستهدفات الرؤية التنموية في جميع أهداف الجمعية الاستراتيجية، وقد برز دعم التطوع كواحد من الأهداف الاستراتيجية للجمعية، فتم فتح المجال لتسجيل المتطوعين والمتطوعات ليصل عدد المسجلين في الجمعية 3427 متطوعاً وهم في تزايد مستمر، كما بلغ عدد الفرق التطوعية 30 فريقاً تضم 1350 متطوعاً ومتطوعة جميعهم مسجلون في المنصة التطوعية التابعة لوزارة الموارد البشرية، كلاً حسب تخصصه وقدراته.
لقد أبلى متطوعو جمعية البر بلاء حسناً وأثبتوا فاعليتهم خلال جائحة كورونا من خلال قيامهم بحملات توعوية لمرتادي الأسواق والمتاجر الكبرى بالتعاون مع عدد من الجهات كأمانة جدة، كما ساهموا في مساعدة كبار السن في محطة قطار الحرمين، ناهيك عن جهودهم في التشجير في عدد من الحدائق تفاعلاً مع المبادرة الخضراء التي أطلقها سمو ولي العهد والتي ستسهم في تحقيق الاستدامة البيئية ومكافحة تدهور الأراضي وانبعاثات الكربون، إضافة الى جهود المتطوعين المتتالية والمتنوعة في مبادرات الأيام العالمية، ولا ننسى أدوار المتطوعين في توزيع السلال الغذائية في رمضان وزكاة الفطر والأضاحي حيث كانوا أحد الاجنحة التي حلقت بها الجمعية في فضاءات الخدمات الاجتماعية.
(البر) بين التطوع والاستدامة والتحول الرقمي:
أما المهندس محيي الدين بن يحيى حكمي الرئيس التنفيذي لجمعية البر بجدة فقال: حرصت جمعية البر بجدة على دعم العمل الخيري من خلال التحول الرقمي فكانت أولى الجمعيات التي طبقت أجهزة الخدمة الذاتية لدعم مناشطها الخيرية التي تخدم المستفيدين والمتبرعين، ناهيك عن اصدار هذه الأجهزة لبطائق الإهداء على نية الصدقة والتي تقدَّم للمرضى والوالدين وغيرهم ويتم من خلالها دعم مناشط الجمعية.
كما حرصت الجمعية على تحقيق الاستدامة عبر العناية بالأوقاف والتركيز على المشاريع الاستثمارية التي تدعم العمل الاجتماعي، وقد كان مشروع استثمار مقر الجمعية (مقصد جدة) Jeddah destination نقطة تحول محورية في تحقيق الاستدامة المالية للجمعية والتي تسعى من خلالها الى تحقيق الرؤية التنموية في تحويل القطاع الخيري من قطاع ريعي الى قطاع منتج يساهم في المشروع التنموي من خلال حزمة من خدماته الاجتماعية.
كل هذه الجهود شكلت حلقة من عطاءات جمعية البر بجدة لخدمة المجتمع والتي توّجتها بدعم العمل التطوعي من خلال فتح المجال للمتطوعين للتسجيل بالجمعية في مختلف التخصصات حيث تم تقسيمهم الى فرق متخصصة تقدم خدماتها الاجتماعية كالفريق البيئي والهندسي والإعلامي الخ..
وبالمحصلة يتم تسجيل مشاركات المتطوعين في مختلف المبادرات في منصة العمل التطوعي التابعة لوزارة الموارد البشرية وتحسب لهم ساعات تطوعية تسجل بالمنصة.
وقدم الحكمي بهذه المناسبة الشكر والتقدير للمتطوعين والمتطوعات على جهودهم الإنسانية في خدمة المجتمع والتي تترجم حجم الولاء والانتماء لهذا الكيان الشامخ، مترجمين معاني التكافل الاجتماعي والترابط في المجتمع، ناشرين قيم التراحم في العلاقات الاجتماعية، راسمين بجلاء تلكم القيم الأخلاقية الأصيلة التي حض عليها ديننا الحنيف وعمل على غرسها في تربة المجتمع المسلم.
آثار إيجابية
الأستاذ حسين بن شهران مدير وحدة التطوع بالجمعية ركز على أهمية ترسيخ وتعزيز مفاهيم العمل التطوعي المستدام، وتحقيق التكافل بين مختلف القطاعات ذات الكفاءة والخبرة في ذات المجال.
ودعا بن شهران الى أهمية التوسع في أعداد المتطوعين وصولاً لتحقيق مستهدفات الرؤية التنموية من خلال التحفيز على التسجيل في مختلف نشاطات الفرق التطوعية والتسجيل في منصة العمل التطوعي، لافتاً النظر الى أن الجمعية ستقيم حفلاً في مقرها بمناسبة اليوم العالمي للتطوع يتم من خلاله زيادة جرعات التوعية بأهمية هذا العمل وما يحمله من قيم أخلاقية تعود بالخير على المجتمع مع الحرص على استنهاض همم أبنائنا للانضواء في لواء العمل التطوعي وهو ما يدخل في اطار الاضطلاع بالمسؤولية الاجتماعية بكل ما تتركه من أثر مستدام في خدمة المجتمع.
فوائد صحية واجتماعية
يُذكر أن الدراسات أثبتت أن العمل التطوعي يساعد في مواجهة آثار القلق والتوتر والغضب، كما يعزز الشبكات الاجتماعية للشخص لتخفيف التوتر ومخاطر الإصابة بالأمراض.
كما يكافح التطوع الاكتئاب خاصة لمن تجاوزوا الستين من أعمارهم، ويدعم الإحساس بالسعادة ويزيد شحنات الثقة بالنفس، ناهيك عن تأثيره النفسي المبهر في إضفاء الإحساس لدى المتطوع بأنه جزء من البناء والتطور، ودعم شبكات العلاقات الاجتماعية والصداقات.
|