المحليات
أخر الأخبار

قصة أغرب من الخيال

 

بقلم : د. ضيف الله مهدي

عند الساعة العاشرة من صباح هذا اليوم الأحد الموافق ٨ ذو الحجة ١٤٤٢هـ ذهبت إلى مستشفى بيّش العام ، لزيارة الأخ الأخصائي النفسي الأستاذ ناصر أبو راسين ، فرغم أننا سويا هنا في هذا الملتقى إلا أننا لم نتقابل وجها لوجه من مدة طويلة ، وذهابي له حقيقة ليساعدني في الحصول على دواء لزوجتي ولي ، فضرسي من مدة يؤلمني !!

وكان عند حسن الظن فقد خدمني خدمة رائعة ويسر لي كل أموري ومشي معي في الأقسام وعند الموظفين .. لكن طبيب الأسنان لم يكن موجودا فساعدني عند طبيب أسنان بمركز الرعاية الأولية في بيّش . خرجت من المستشفى ولما وصلت للإشارة راودتني الرغبة أن أسير على طريق قاع الصبايا والإسكان .. وأول ما عديت الإشارة كان صوت الأرض وزرياب الجزيرة وعندليب الصحراء وبلبل الحجاز يترنم داخل السيارة ويغني : 

*ما تضيق إلا وتفرج *

* يأتي الله بالفرج *

* لا متى مكسوف ومحرج*

* بيننا ما فيه حرج *

* قول ما عندك حبيبي*

* خلني أشاركك بالآه*

* لا تشيل الهم وحدك*

* واترك الباقي على الله*

وهنا سرح خاطري وقلبي ، وتداعت المعاني تداعيا حرا مطلقا ، حتى وصلت لعصرية صيفية من عصاري عام ١٤٠٤هـ ، حين كنت أهم بالخروج من بيتنا لابسا بنطلون أزرق اللون غامق ، وقميص أصفر وشعري يلعب به الهواء كيفما يشاء !!

وكنت أمتطي رجلي السريعة ، إلا أن رنين الهاتف أرجعني للداخل ولم يكن أحدا بالدار !!.

رجعت ورفعت سماعة الهاتف وقلت : ألوه ! .. جاء صوت بنت قدرت عمرها ١٤سنة ، قالت : ضيف الله ؟ قلت : نعم ! قالت : كيف حالك ؟ قلت : الحمد لله ! قالت : تساعدني ؟ قلت : نعم أساعدك ! لم تذكر مشكلتها ، لكن جاء صوت آخر من بنت قدرت عمرها ١٥ سنة ، قالت : كيف حالك ؟! ، يا رب يا لنعومة وعذوبة الصوت حتى قدرت أنها ملكة جمال العالم !! . قلت : نعم !

قالت : زميلتي تخاف من الاختبارات ، أما أنا فأخاف وأصاب بحالة نفسية وذعر عندما أرى سيارة ……. . وكنت سأبدأ أتحدث عن مخاوفهما ، إلا أن المحادثة قطعت ، ولا أعرف الرقم وانتظرت كم دقيقة لعل الاتصال يعود ولم يعد .. خرجت ذاهبا لمشواري حتى صرت في منتصف المسافة وأقرب إلى السوق كانت بنت تمشي ولما قربت مني قالت : كيف حالك يا ضيف الله ؟! صمت ولَم أنطق ولا حتى رديت عليها ، لكن داخل نفسي تساؤلاتي كثيرة ، والأقرب يقول : هذا صوت البنت الذي كلمت مع البنت الأخرى !! مش معقول ؟! .

كيف تعرف اسمي وشكلي ونطقت باسمي ؟!

ذهبت لمشواري واشتريت ما أريد وعدت للبيت ، وصليت المغرب وبقيت بالقرب من الهاتف ولَم أخرج تلك الليلة من البيت ، وأتمنى لو أعرف الرقم !!

يوم الجمعة في العصر حملت حقيبتي وذهبت مشيا على الأقدام ( أتقلش ) في مزاقر وشوارع بيّش وأتلفت يمينا وشمالا علني أرى ما يفيد ولكن لم يحدث وأصل الخط العام وأركب متجها لأبها وشوي وعصرت رقبتي أتلفت ، وهيهات أن أرى ما أنشد عنه نفسي وقلبي . وينتهي شهر شعبان ومعه الاختبارات وأعود لبيش محملا بالفرح وما حققته من نجاح وتقدير مرتفع .. لكن ما زلت أبحث عن الصوت العذب الرخيم !!

بقيت بضعة أيام قبل حلول شهر رمضان المبارك ، 

* وكلما دق الهوا الباب .. قلت ذا المحبوب جاني *

*الهوا والباب كذاب .. ما يريدا إلا امتحاني *

ثالث ليلة من ليالي رمضان وبعد صلاة العشاء والتراويح ، كنت جالسا في البيت بمفردي .. رن الهاتف ، وكنت متوقعا بنسبة ٩٩ ٪؜ أن من سيحادثني صاحبة الصوت العذب !! وفعلا تطلع هي ، قلت : أقسم بالله أني كنت متوقع أن من على الهاتف أنت !!  قالت : تعرفني ؟ قلت : لا ، من أنت ؟! قالت : طيب كيف عرفت أني أنا سأكلمك ؟ قلت : إحساس !! قالت : طيب من أنا ؟ قلت : أنت قبل شعبان تقريبا كلمتيني أنت وبنت معك !

قالت : نعم .. قلت : من أنت ؟ قالت : وحدة تحبك ! قلت : اسأل عن اسمك ! قالت : بألغاز وحروف لم أفهما جيدا وأقفلت الخط !!

غاب الصوت طويلا حتى نسيته تماما ومع منتصف الفصل الدراسي الأول من عام ١٤٠٥ هـ ، خطرت في بالي تلك البنت وبدأت أحلل لغزها وحروفها حتى اهتديت لجملة غير مفيدة ! وضحكت تلك الليلة ضحكة هستيرية !. رجعت ابحث وتمسكت بخيط أمل معقد عقد كثيرة ومتحانب ومتشابك .. وانتهى العام ولا خبر يفيد الملتاع ويطمئن المعتني. كنت تخرجت في الجامعة وأقيمت الأفراح بتلك المناسبة في بيتنا .. وجاء التعيين وباشرت بمدارس المطعن ومسلية . وجدت طالبا طوال وقت الفسح قريب مني وينظر إلي باحترام وتقدير .. ذات يوم دخلت هذا الفصل وكان الطالب فيه وكان أشدهم فرحا وسرورا بوجودي في فصلهم ولا أعرف لماذا ؟ قال : أستاذ أول ما رأيناك كنا نحسبك طالب معنا في المتوسطة !! حتى قلنا : شوف ذا الطالب وذي الشياكة والأناقة ولابس عقال !

بعدين عرفنا أنك معلم ! قلنا : لو يجي يدرسنا بندعس في بطنه !!

ضحكت وضحك معي كل الطلاب . انتهت الحصة .. خرجت ولم يكن عندي درس إنما أنا مرشد وأغطي لأحد الزملاء .. حاول معي ذلك الطالب كثيرا أن يعزمني في بيته على الغداء !! حتى صارحني وقال : أستاذ ما في البيت غير جدتي وخالي ، أبوي متوفي وأمي متزوجة في قرية بعيدة . حنيت على الطالب قلت بكرة أجي أفطر عندك في الفسحة ولا تزعل .. وصلت واستقبلني خاله وخرجت جدته تدعي وترحب .. حتى ما تمالكت نفسي من موقف تلك الجدة وكأنها تستقبل أحد أبنائها الغائبين من سنين ، وأسأل نفسي لماذا كل هذا ولا أعرفهم حقيقة ويعلم الله لا أعرف اسمها حتى اليوم . انتهى عام ١٤٠٦هـدوفي شهر ذي القعدة أصبت وأنا ألعب كرة وطال مرضي وبقيت في مستشفى الملك فهد المركزي ٣٦ يوما .. في عصرية نادتني الممرضة وقالت : فيه حرمة تبغاك على الهاتف ، والهاتف عندهن في محطة التمريض .. كنت أظنها الوالدة أو خالتي أو خطيبتي فقد كنت خاطبا وقلت ربما أختي ، أخذت الخط وبدأت أتحدث فإذا هي البنت صاحبة الصوت العذب الرخيم ، ذهلت وقلت سنة تقريبا لم أسمعها !!

حقيقة فرحت بصوتها ولَم أسألها من أخبرها ، لكن خطر في بالي أن ذلك الطالب أخبرها فيبدو أنه قريب لها . استمرت تلك البنت مدة ٣٦يوما وأنا في المستشفى وهي التي تضحكني وتسليني وتفرحني .. وفي عام ١٤٠٨هـ تزوجت ولم أعد أسمع ذلك الصوت الذي كان ينعش قلبي وأحاسيسي .. حتى غنيت في يوم :

لي أمـاني في حـياتـي لـم تُحقق

وفـؤادي كــل يـــوم يـتـــمـــزقْ

ضاع عمري في هوى ظبي جفول ٍ

وأنـــــــا مازلت أهــواه وأعشـــقْ

رائع البسمة ذو خـــــــــــــدٍ أسيل ِ

يفــتـن الـناظر َ إن طـــل وأشـرقْ

صـــــدني عن حبه واش عـذولٌ

فاقد الـفطنـة والإحساس أخـــرقْ

كــــــم رأيت الناس تحيا في هناءٍ

وأنا في نار أحزاني أصلى وأحـــرقْ

أتـــرانـــي أعــــبر الــشـط إلـيـه

أم تـــــــرانــي في بحور الهم أغـرقْ

أتـــرى الأيــــــام تـــدنـي من هواه

جــعــل الـــحــــزن لـقـلبي يتسلقْ

يــا فـؤادي الـتـائــه الـحــيران شوقا

كم ستبقى تحمل العشق و تــقـلـقْ

أملي في يوم ِ سعد ٍســوف يأتي

كل أحــلامـك فـــيـه تـــحققْ

يســــــــــعد الأحباب فيه بلقاء ٍ

 يــجـمــع الله  به الشمل المفـــرَّقْ

*******

رائع البسمة ذو خـــــــــــــدٍ أسيل ِ
يفــتـن الـناظر َ إن طـــل وأشـرقْ
صـــــدني عن حبه واش عـذولٌ
فاقد الـفطنـة والإحساس أخـــرقْ
كــــــم رأيت الناس تحيا في هناءٍ
وأنا في نار أحزاني أصلى وأحـــرقْ
أتـــرانـــي أعــــبر الــشـط إلـيـه
أم تـــــــرانــي في بحور الهم أغـرقْ
أتـــرى الأيــــــام تـــدنـي من هواه
جــعــل الـــحــــزن لـقـلبي يتسلقْ
يــا فـؤادي الـتـائــه الـحــيران شوقا
كم ستبقى تحمل العشق و تــقـلـقْ
أملي في يوم ِ سعد ٍســوف يأتي
كل أحــلامـك فـــيـه تـــحققْ
يســــــــــعد الأحباب فيه بلقاء ٍ
يــجـمــع الله به الشمل المفـــرَّقْ

 

مقالات ذات صلة

إغلاق