المحليات

كـــان يـامـا كـــان .. بالقراءة أطفالنا تخطوا الزمان

 

بقلم : رَوايا خليل آل ربيعة

كانت ومازالت قراءة القصص بالنسبة لأطفالنا هي من أمتع الأوقات وأجمل الخيالات التي يسعون من خلالها إلى بناء عالمهم الخاص الذي يفتح لهم الآفاق أمام ثقافات ومعارف جديدة تملؤهم بالدهشة والذهول.
وكانت وما زالت تنمية القراءة والمطالعة من أهم الوسائل التربوية المساعدة على تنشئة الطفل ، وإكسابه العديد من المهارات المعرفية التى تساعده على فهم وإتساع المنهج الدراسي ، وتحسين مهارات الإتصال وتكوين الزاد اللغوي لديه ، ولكن وسط زخم الحياة وتطور التكنولوجيا الحديثة وظهور الوسائل الإلكترونية تراجعت قيمة الكتاب ، واستغنى الناس وأطفالهم عن المطالعة بمشاهدة تلك القصص على الشاشات.
لا شك أن ما يتم مشاهدته على التلفاز مشبع بالصور البصرية التي تمتع صغارنا بل وتمتعنا نحن الكبار أيضا ، ولكنها في نفس الوقت – وبمساعدة اهمالنا – خلقت مشكلة كبيرة ، فما زالت المحاولات قائمة لاستدراكها لإعداد جيل يُقبل بحب وشغف على المطالعة والقراءة بهدف تنمية قدراتهم المعرفية ومهاراتهم الشخصية والاجتماعية ، لذلك يتوجب علينا الإهتمام بالزاد القرائي للطفل إهتماما موازيا بمأكله وملبسه ، فنوفر له القصة والكتاب والمجلة لنفتح لهم بذلك أبواب العلم والمعرفة والثقافة الشاملة ، ومن ضمن الإشكاليات المطروحة في وقتنا الحالي – مع تعلق أطفالنا بالهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر – هي كيفية حمايتهم من الوسائل الإلكترونية وتوجيههم إلى حُب التعلم والقراءة وإصطحاب الكتابة.
فهل القراءة الإلكترونية تعادل القراءة الورقية؟ وماهي أهم جوانبها الإيجابية والسلبية؟
وماهي أيضا الخطوات المحفزة على أهمية المطالعة والقراءة في حياة الطفل؟
إنها أسئلة جوهرية نحاول تغطيتها لتكون هدية يتم الإستعانة بها من قبل المربين وأولياء الأمور لتربية جيل واعد صاعد محب للكتاب والقراءة والمكتبات بأنواعها وأقسامها.
أهمية تشجيع الأطفال على القراءة:
يقول الدكتور بن كارسون الذي يعتبر أشهر جراحي دماغ الأطفال في العالم: “إن نقطة التحول في حياتي كانت يوم أن أغلقت أمي التلفاز وأجبرتني على القراءة”.
انطلاقا من هذه المقولة.. ندرك أهمية توجيه الأطفال وتشجيعهم على القراءة ، فإتقان الأطفال لفن المطالعة في مراحلهم المبكرة يساهم في نومهم العاطفي والمعرفي جنبا إلى جنب مع نومهم الطبيعي ، ويجعلهم أكثر فهما للحياة والبيئة التي من حولهم ، ومن خلال المطالعة أيضا يوسع الطفل آفاقه الخيالية ويتعرف على أشكال الكلمات التي تساعده على الكتابة الإملائية الصحيحة ، وبالتالي فإن القراءة تزيد من حجم المفردات اليومية وعندها يتعلم الطفل كيفية مطابقة وتحديد الحروف للأصوات ، فمن لا يقرأ لا يكتب ومن لا يكتب لا يقرأ ، وكلاهما وحدة متكاملة ، لذا عندما نشجع الطفل على تعلم القراءة السليمة فإنه يتعلم رسم الكلمات وحروفها بطريقة عرضية ، وقد أثبتت الدراسات أن تعلم القراءة يسبق تعلم الكتابة.
كما أن المطالعة تطور مهارات الطفل وإمكانياته فيصبح في حالة تطور ونشاط مستمر ، وهي أيضا تغذي عقله وتصقل شخصيته وتجعلها أقوى وأكثر رغبة في الحياة ، فتمنحه بالتالي الكثير من الشغف والإلهام ، بالإضافة إلى أنها توفر له الإجابات العالقة في ذهنه من أمور الحياة ، أي أنها تساعد الطفل من جميع الجوانب على استثمار وقته بطريقة أفضل ، بل إنها أيضا تساهم في زيادة الترابط الأسري من خلال التأثر بشخصيات القصة التي يقرأها ، وهذا يولد نوعاً من التفاعل الذي من خلاله يشكل الطفل ذكريات جميلة نتيجة لمهارات التواصل.
مقارنة بين قراءة الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني:
الكتاب هو الصديق الذي نعتاد عليه منذ الصغر من خلال شكله ومظهره التقليدي الأصيل وتقليب صفحاته… وما إلى ذلك ، إلا أنه في العقود القليلة الماضية ومع تطور التكنولوجيا وظهور الوسائل الإلكترونية ، لم يتغير مظهر الكتاب فحسب بل أخذ نمط قراءته منعطفا آخر، وفي ظل ظهور الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية – التي قربت الكثير من مواد الثقافة والمعرفة وامتازت بأنها الأكثر رواجا وإنتشارا وإستخداما – أصبح الآن بإمكان الجميع قراءة محتويات الكتب على أجهزة الحاسوب المكتبية والمحمولة والأجهزة الكفية والجوالات …. وغيرها الكثير ، وعلى الرغم من هذا ، فإن لكل منهما فوائد ومميزات لاتعد لأهميتها والتي سوف نتطرق لأهمها.
للكتاب الورقي دور مهم وأساسي في بداية تنشئة الطفل كالكتاب المدرسي الذي لا يمكن إستبداله والإستغناء عنه ، أما الكتاب الإلكتروني فهو يمثل نفس الأهمية لسهولة حمله في الأسفار وتوفره لدى الجميع ، كما يمكن تخزين الآلاف من الكتب في حيز صغير جدا مع إمكانية تداوله بسهولة دون التقيد بالحدود الرقابية لتستخدم في أي وقت وأي مكان ، ولكن قراءة الكتاب الورقي أكثر راحة للقارئ بشكلٍ عام ، لأن قارئه يجد متعة لا يشعر بها من يقرأ في الكتاب الإلكتروني ، هذا لا يعني انكارنا أن القراءة الإلكترونية لها فوائد كثيرة وخصائص لا حصر لها تتسم بها ، إلا أن الكتاب الورقي يعطي دفئا للقارئ ، وحمله يولد شعورا رائعا ينشئ من خلاله رابطة عميقة بين القارئ والكتاب ، وهو ما لا نجده في الجهاز الإلكتروني ، والكتاب الورقي أيضا أكثر راحة للعين من الكتاب الإلكتروني حيث أن القراءة لساعات طويلة من الجهاز تسبب إجهادا للعين.
إذن فالعلاقة بينهما هي علاقة تكامل وليست علاقة تنافس ، فكلاهما يكمل بعضهما البعض ولكل منهما مميزاته وإيجابياته ، لذلك وجب استثمار هذه التقنيات الحديثة.. للقراءة المفيدة والنافعة سواء لنا أو لأطفالنا ، لكونها تسهل مجال القراءة في جميع الحالات ، كما لا يفوتنا التنويه والتنبيه على ضرورة إرتياد المكتبات مع الأطفال واستعارة الكتب ومطالعتها كخطوة في غاية الأهمية ، فمهما تطورت الوسائل الإلكترونية واختلفت.. تبقى قراءة الكتب في دور الكتاب متعة لايعرفها إلا عشاق الكتاب والمكتبات ، إذ تُعد المطالعة من أهم أنشطة المتعة والفائدة.
محفزات الأطفال للإهتمام بالقراءة والمطالعة:
الكثير من الآباء والأمهات يحرصون على ترغيب أطفالهم بقراءة الكتب، فمن منا لا يحب أن يكون لديه طفل قاريء ؟
لذا على كل مربي أن يسعى جاهدا لتحقيق ذلك بشتى الطرق ، فالهدف واحد والطرق متعددة ، وعلى هذا الاساس سعينا لتقديم بعض الخطوات المحفزة لإنشاء جيل قاريء ، وهي كالتالي:
خلق بيئة عائلية محفزة للقراءة لتكون القدوة والمثل الأعلى للطفل ، ونقصد بذلك الأسرة القارئة ، فالطفل عندما يرى أبا يقرأ كتابا وأما تهتم بالكتابة وأخا أو أختا يرسمان شيئا ما سيتعود حتما على هذا الجو المفعم بالفن والقراءة والمطالعة ، فتتولد في داخله الرغبة والمحبة لهذا العالم .
المكتبة المنزلية مهمة جدا لترغيب الطفل بالقراءة وتوطيد علاقته بالكتاب على أن يكون جزءا منها قد صمم خصيصا بمواصفات ملائمة لمكتبة الطفل ، كأن تكون هادئة وبمساحة مناسبة ، مجهزة بالأثاث والاضاءات والألوان التي تجذب انتباه الطفل وتحفز خياله وتشعره بالراحة والانتماء
اصطحابه إلى المكتبات الخارجية أو المدرسية لتنمية حب القراءة ، فقد قال أحد الناشرين: “كما أن الطفل لا يركض ويلعب من أجل تقوية عضلاته وإنما من أجل المتعة فهو كذلك لا يقرأ من أجل الفائدة وإنما من أجل التسلية والمتعة”، ومن هنا تكمن أهمية توفير الكتاب الممتع ليكون حافزا له على المطالعة.
إبعاده عن الوسائل الإلكترونية كالتلفاز والجوال والكمبيوتر ……الخ ، لأنها تشتت تركيزه وتؤثر سلبا على تفكيره ، فنستبدلها بالكتاب أوالقصة الممتعة أو الرسم.. مما سيعود بالمنفعة لطفلكم .
القيام بتوفير جو أسري مريح مفعم بالمحبة والاهتمام والاستقرار يجعل الطفل أكثر تركيزا على ما يريده وفيما يقرأه.
الحرص على اشراك الطفل مع أقرانه في تنفيذ مهمات بسيطة من خلال القراءة سيحفز من قدرته على الإهتمام وسيدفع عنه الملل .
ابداء الإهتمام بالطفل أثناء قراءته يزيد من حماسه ويدفعه إلى الإستمرار والتميز، كتدريبه على استنباط الأفكار والمعلومات بعد قرائته لموضوع ما أو ومساعدته في تقسيم الأفكار والأحداث إلى مراحل مما ينمي لديه حس الدقة والعمق ، وتعليمه أيضا القراءة الصامتة التي توفر عليه جهد القراءة الجهرية ، بالإضافة إلى تعليمه سرعة القراءة من خلال قراءة الاعلانات وتصفح الجرائد وسؤاله عما استدعى انتباهه فيها.
هذه هي أهم النقاط التي من شأنها تحفيز الطفل على القراءة وحب المطالعة ، فالمحفزات كثيرة والوسائل متنوعة.
تأثير القصة على الأطفال:
القصص هي من أكثر الكتب التى يحبها الأطفال وقد يقضون وقتا أطول في قراءتها ، ولكن تأثير هذه القصص عليهم له جوانب إيجابية وأخرى سلبية ، فيجب التعرف عليها لدعم الإيجابي منها والابتعاد عن السلبي فيها.
إن نفس الطفل بطبيعتها تميل لسماع القصص التي من خلالها يبدأ مشواره القرائي ، وعليه فإن للقصة تأثير كبير يجعله متعلق بالشخصيات القصصية وسلوكياتها ، فتظهر لديه سلوكيات الحب والكره والتعلق ، وقد تكون القصة هادفة ممتعة تدفعه لحب الخير والتعلم ومساعدة الأخرين ، وحين يظهر لديه حب الإطلاع تبدأ في تنمية خصاله الحميدة.. مثل شخصيات الكرتون الرياضية “كابتن ماجد” أو شخصيات الكرتون الاجتماعية “صوت الموسيقى” وغيرهم الكثير ، أو قد تطرح القصة موضوع الصدق والصداقة ، مما يساعد الطفل على بناء علاقات إجتماعية يتفاعل معها فيكون لها دورا في بناء شخصيته وتشكيل ميوله ومعتقداته وأفكاره ، كما لا نغفل عن دور الآباء والأمهات في انتقاء الكتاب أو القصة بما يتناسب مع سن وميول أطفالهم ، فيتم الاختيار السليم للقصة الهادفة والكتاب الممتع الذي يجنبهم الوقوع في مشكلة طمس شخصية الطفل الناتجة من متابعة القصص الهدامة التى لا طائل منها.
ومن القصص التى لها تأثير واسع على الاطفال هي قصص ديزني المشهورة ، ومن منا لم يعجب بهذه الشخصيات؟ إلا أن هناك دراسات تثبت الجانب السلبي في تأثيرها على الأطفال خصوصا الفتيات الصغيرات ، فكلما ازداد تعلق الفتيات بثقافة أميرات ديزني.. ازدادت تصرفاتهن على طريقة الصورة النمطية للأنثى ، فيحاولن تقليد الأميرات تقليدا يتنافى مع واقع الطفولة البريئة مما يطمس شخصية الفتاة البريئة أو يطمس حتى شخصية الفتاة القوية المستقلة القادرة على تحمل أعباءها الشخصية دون انتظار أمير ينقذها.
ولكن على الرغم من هذه السلبيات إلا أن قصص ديزني وشخصياتها لا تخلو من الإيجابية والحب والرأفة ، فكل ما يجب علينا هو منع أطفالنا الذين لا تتجاوز أعمارهم سن الدراسة عن متابعة هذا النوع من القصص ، حتى لا تنطبع هذه الحكايات الخرافية في عقولهم ، أيضا بامكاننا إيجاد الحلول الأخرى التي تساعد في التربية والتوجيه من خلال استشارة المختصين في هذا المجال ، وهنا يأتي دور الأهل في إيضاح مغزى الحكاية بأسلوب يفهمه الطفل ويتماشى مع سنه كوسيلة رائعة لتعليمه كيفية الكتابة والقراءة والاستمتاع بالقصص ، بل والتفنن أيضا بتصحيح مباديء الشخصيات بهدف تنمية الخيال.
فقصص التاريخ مثلا هي من أفضل القصص التى توسع مدارك الطفل وتعرفه بحضارته وحضارات الشعوب الأخرى وثقافتهم مثل قصص الأبطال ومغامراتهم التي تشعل الحماس فيه ، ومن إيجابيات كثرة قراءة القصص والمطالعة بصفة عامة أنها تعلم الطفل اللغة القوية والمصطلحات الدقيقة جراء كثرة السماع أو إمعان النظر لكونها ثرية بالكلام الفصيح.
فإيجابيات القصص كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ، ولكن لا يمكننا تجاهل الجانب الآخر منها ، نظرا لوجود قصص تؤثر سلبا على أطفالنا إذا غيبنا عنهم الإرشاد والتوجيه ، كقصص تعدد الآلهة وقصص الأساطير والخرافات ، لكونها تدمر عقول الأطفال نظرا لفلسفتها التي تفوق قدراتهم العقلية التي تحتاج إلى التبسيط بدلا من التعقيد الذي يفقدهم الشعور بمتعة الحياة.
لذلك.. الحرص ثم الحرص في مراقبة القصص المقدمة لأطفالنا لأنها تبني أجيالا وتهدم أخرى ، وكبديل للقصة قد نخلق لهم جوا آخر كعالم بديل مثل مشاهدة أفلام الكارتون الهادفة على سبيل الترويح عن الطفل حتى لا يمل من القراءة ، كما يمكن أن ندخله إلى عالم الأقلام الملونة والرسم حيث يعمل ذلك على توسعة مخيلته والترفيه عنه ، أو نشغله مثلا باللعب بالطائرات الورقية أو الأشغال اليدوية ، فهناك الكثير من الألعاب التعليمية التي نستثمر فيها وقت الطفل بما هو مفيد وممتع ، وعليه.. فإن بناء ثقافة المطالعة والقراءة أمر فعلا في غاية الأهمية للأسرة بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة ، والقراءة في كل زمان تعتبر من أهم وسائل ربط الطفل بعالم الحياة الواسع وأهم أداة للتطور والمعرفة التي يجب على الإنسان ألا ينقطع عنها ، بل وعليه أن يحرص أيضا.. على أن يكسبها لأبناءه ليتخذوها كعادة جميلة تزيِّن حياتهم بنور العلم والمعرفة فتكون سبيلاً في تقدّم المجتمعات وتطوّرها.
وأخيرا.. يمكننا أن نأخذ الحكمة من مقولة: “قارئ اليوم قائد الغد” فبخطواتِ القراءة .. يتخطى أطفالنا الزمان.. وصولا إلى الغد الذي سيشرق فيه مجتمع قاريء.
رَوايا خليل آل ربيعة
كاتبة وناثرة
باحثة عراقية في الفنون والآداب
الكويت

مقالات ذات صلة

إغلاق